ما لم يقوله الملك محمد السادس في عيد العرش عندما التزم الصمت الكامل، تجاه الملف الصحراوي، مما أثار دهشة المتتبعين الذين تساءلوا عما يخفيه هذا الرجل لاحقا أفصح عنه بمناسبة الذكرى المشؤومة لمسيرة العار والدمار التي تبقى شاهدة على مأساة إنسانية تاريخية لجحافل من البشر غزوا أرضا بالحديد والنار.
شردوا أهلها تشريدا لا مثيل له مدعين إعمارها وهي التي كانت بشعبها منذ الأزمة الغابرة لم تنتظر أبدا من يرفع هذه الأكذوبة ليتاجر بها لدى البعض من الأوساط التي تدرك في أعماق كينونتها بأن المغرب قوة محتلة.. وإلى غاية يومنا لا يعترف أحد بسيادته على هذه الأرض الطاهرة، الطيبة والمعطاء، التي ما تزال تنطبق عليها اللائحة ١٥ / ١٤ المتعلقة بتقرير مصير الشعوب التي ترزح تحت نيرالإستعمار.
نحن اليوم أمام هذا المنطق الأممي القاضي بتصفية الإستعمار.. أما خارج هذه الدائرة فكل واحد يتحمّل مسؤولية عناده تجاه الشرعية الدولية التي تطالبه بالإذعان إلى قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن.
والتخلص من تلك النظرة الضيقة التي ترفضها المجموعة الدولية، وتدرجها ضمن الإستفزازات التي ما فتئ المغرب يلوح بها في كل مرة.. مديرا ظهره لكل النداءات الصادرة من كل الأطراف المحبة للسلم المشدّدة على إنهاء هذا النزاع وفق ما أقرته الأمم المتحدة.
ولا تخيف تلك «اللاءات» أو تزعج أحدا خلافا لما يدعيه الإعلاميون المغاربة، لأننا اعتدنا على سماعها كم من مرة، غير أنها عقدت القضية بدل من ا لتخفيف من وطأتها والذين ينصحون الملك هم على خطأ فادح لا علاقة لهم بالدبلوماسية بدليل أنهم «أغلقو اللعبة» ورفعوا من سقف التعنت إلى مستوى لن تقبل به الأمم المتحدة التي عينت مبعوثا جديدا السيد كوهلر الذي زار المنطقة وأطلع مبدئيا على الموافق وأخذ فكرة جامعة مانعه لم تعجب المغاربة الذين صعّدوا من لهجتهم ضد هذا المنظم.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا تصنيف خطاب الملك محمد السادس في خانة «الانتقام» الذي تراكم عنده منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي والاخفاقات التي لحقت بدبلوماسيته الواحدة تلو الأخرى نتيجة تهور ممثليه ومندوبيه على أكثر من صعيد، في محاولتهم لنسف أي محفل يحضره الصحراويون.
وانعكس هذا جليا في خطابه الأخير عندما وقع في خط سياسي لا يغتفر، وهو عدم ترك هامش لمعرفة لمن يتوجه.. هل للصحراويين أم للأمم المتحدة أم لجهات أخرى؟ وهنا مكمن سوء إدارة هذا الملف.
يجب أن يدرك المغرب بأن رهانه على ما يزعم قوله بـ»الروابط التاريخية» لا أساس لها من الصحة، واستشهاده بحادثة معينة إنما من أجل إيجاد ذلك المشجب لمواصلة البقاء في هذا الجزء المحتل كون محكمة لاهاي فصلت في هذا الملف عندما أصدرت حكمها القاضي بثنائي العلاقة المباشرة بين المغرب والقبائل الصحراوية.
ومنذ السبعينات، بدأت تلك الإنهيارات للدبلوماسية المغربية تجاه القضية الصحراوية إلى غاية يومنا هذا، وازدادت حدتها خلال المرحلة الراهنة، عندما شعر المغرب بأن وعي المجموعة الدولية يزداد إدراكها وتوسعا تجاه هذه المسألة، من خلال الدعوة إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي.
ولابد من التأكيد هنا، بأن خطاب الملك أراد الرد على هذه الهبة الدولية بصيغة تحمل الكثير من الأخطاء والتجاوزات.
أولا: فشله الذريع في تخريب أداء مؤسسات الاتحاد الإفريقي وعدم قدرته في عزل القيادة الصحراوية المشاركة في هذه المواعيد، كان آخرها عجزه عن منع توجيه الدعوة للصحراويين قصد حضور القمة الـ ٥ الاتحاد الإفريقي ـ الاتحاد الأوروبي المقررة يومي ٢٩ و ٣٠ نوفمبر بأبيجان.. ناهيك عن المهازل التي ارتكبها دبلوماسيوه في دكار، مالابو، أديس أبابا ومابوتو.. عندما أطلقوا العنان لجنونهم في الاعتداء على الوفد الصحراوي ومحاولة حرمانه من دخول قاعة الأشغال.
ثانيا: إحباط كل المخططات المغربية الرامية إلى التغلغل في مؤسسات الاتحاد الإفريقي صاحبة القرار وترك هذا البلد يحضر الأشغال العادية فقط، دون التأثير في المسائل الكبرى بالرغم من خارطة الطريق المرسومة التي تلقاها ممثلوه في الخارج بشأن السعي لدخول هذه الهياكل، ومحاصرة الصحراويين.
ثالثا: فضح النوايا المغربية بخصوص العدوة إلى الاتحاد الإفريقي على أساس لم يقدم أي خدمة ملموسة ذات فائدة، بقدر ما يسعى منذ تلك الفترة إلى إلحاق الضرر بالصحراويين، وهذا ما فتئت يحذر منه الأفارقة الأحرار.
رابعا: المغرب وحلفاؤه هم على خطأ إن اعتقدوا بأنهم اخترقوا محور الجزائر - لاغوس - بريوتوريا، في كل مرة يجترون هذا الكلام ويتباهون به بالرغم من أنه عار من الحقيقة ومجرد وهو لا يوجد إلا في أذانهم.
خامسا: القضية الصحراوية غير مرتبطة أبدا بالسيادة المغربية ولن تبقى إلى الأبد تحت الاحتلال، والتجارب واضحة في هذا المجال لأنواع الإستعمار الذي تجاوز الـ ١٠٠ فما فوق.. لكنه في نهاية المطاف خرج مذموما مدحورا.
سادسا: إبعاد وإقصاء الأمم المتحدة عنوة وعمدا عن التسوية المرتقبة، يدعو حقا إلى التساؤل عما ينتظر.
هذا البلد في غضون الأيام القادمة، خاصة ما تعلّق بمهمة كوهلر.. فما مصير نشاط هذا المبعوث الأممي على ضوء خطاب الملك؟
لذلك، فمن الخطأ الفادح استباق الأحداث السياسة الثقيلة الإقليمية والسقوط في مطبّ قصر النظر، والرؤية المحدودة المبنية على أطروحات تجاوزها الزمن.. الحل اليوم، لا يوجد الحل لقضية الصحراء الغربية في الرباط بل مكانه الأمم المتحدة ومهما تحلى هؤلاء أو انتابهم الحماس العابر فإن نهاية المطاف طاولة الحوار وقد رأينا ذلك مع طرد المكوّن السياسي لـ «المينوروسو» ثم عودته فورا بعد ضغط المجموعة الدولية.
ولا يمكن لأحد اليوم تزكية الاحتلال المغربي للصحراء الغربية كل ما في الأمر أن القضية محل اهتمام غير مسبوق من طرف الأمم المتحدة لإيجاد الحل استنادا إلى لوائح مجلس الأمن.