الغرب وجد في التجربة الجزائرية الحلّ الوحيد و العقلاني لإقرار الأمن
الجيش الوطني الشعبي نجح في احتواء الظاهرة الإرهابية
عاد الدكتور سليمان أعراج في حواره مع «الشعب» الى الاجتماع الاقليمي الاول للمنتدى العالمي لمكافحة الارهاب، ولاجتماع الافريبول المنعقدين مؤخرا بالجزائر، ليؤكد بأن التحالف الوظيفي بين الجريمة المنظمة والإرهاب بات يمثّل تحدّيا كبيرا أمام صيانة أمن المجتمع الدولي، وشدّد على أهمية التعاون الاقليمي لمواجهة الظاهرتين والعمل على تجفيف منابع تمويلهما.
واستغلّ المناسبة ليقف عند التجربة التي اكتسبتها الجزائر في مكافحة الارهاب، واستفادة العالم منها، خاصة وأنها تقوم على مبادئ أساسية تبث أنها ضرورية لمحاربة الدمويين كتجريم الفدية واقرار المصالحة وإدماج التائبين، كما عرّج على الانتصارات الهامة التي حققها الجيش الوطني الشعبي في مواجهة الارهابيين، وأثنى على السياسة الخارجية التي مكّنت الجزائر من أن تصبح فاعلا دوليا وليس إقليميا فقط.
و اختتم أعراج حواره بالوقوف عند موضوع حسّاس وخطير، وهو الاستعمال الخاطئ لتكنولوجيات الاعلام والاتصال التي أصبحت سلاحا ذو حدين، حيث يستغلها الدمويون لممارسة ارهابهم، ونصح بتربية اتصالية تعلّم أبناءنا الطرق الصحيحة لاستعمال هذه التكنولوجيات.
احتضنت الجزائر مؤخرا الاجتماع الاقليمي الأول للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في افريقيا غرب الصحراء والذي تخلّله اجتماع الافريبول، ماهي قراءتك للحدثين، وما مغزى احتضان الجزائر لهما؟
ان التحالف الوظيفي بين الجريمة المنظمة والارهاب ضمن معادلة «الحماية مقابل التمويل «تشكل تحديا حقيقيا أمام مسألة صيانة امن المجتمع الدولي، ضمن ذلك يبين اللقاءين من خلال الحديث عن المنتدى العالمي لمكافحة الارهاب الذي تأسس في 2011، ومنظمة افريبول التي تأسست في 2015، اهمية تفعيل الحوار وتبادل وجهات النظر بين مختلف الفواعل الدولية باعتبارها مدخل مهمّ يدعّم بلوغ مستوى الفهم الدولي المشترك لخلفيات وواقع التهديدات الارهابية وظاهرة الجريمة المنظمة، كما يعكس اللقاءان أهمية التعاون الاقليمي والدولي كمنطق مكمّل لتوجه عالمي يسعى نحو تجفيف منابع تمويل الارهاب، والذي يبدأ عبر ما يمكن ان تقدمه منظمة افريبول من تسهيل لتبادل المعلومات حول نشاط الجريمة المنظمة في افريقيا وما اقترن بالنشاط الارهابي، كما تمثل هذه المساعي ارادة المجتمع الدولي في الوصول الى حلول فعلية، والخروج بتصوّر ومقاربة تتعدى مسألة بناء منظومة دفاع الى بلوغ مستوى التأسيس لآليات وقائية تجنب المنطقة والمجتمع الدولي خطر تفاقم ظاهرة التطرف العنيف.
وبالنسبة لرمزية اللقاءين، لا شك فيه ان لهما اهمية كبرى للجزائر من ناحية المساهمة في توسيع دوائر حركتها في اطار السياسة الخارجية خصوصا في إطار المؤسسات والمنظمات الدولية، على اعتبار ان الأمر يؤسس لدور الجزائر في ان تكون فاعلا دوليا رئيسيا وليس اقليميا فقط يساهم بصفة مباشرة في وضع تصور شامل وناجع وتقديم حلول عملية في إطار مواجهة الارهاب والجريمة المنظمة.
كما ان اللقاءين يرتبطان بموضوعين يمكن من خلالهما التعريف بالرؤية الجزائرية فيما تعلق بمعالجة تفاقم ظاهرة الارهاب والجريمة المنظمة انطلاقا من خصائص الظاهرتين في المنطقة بما يجعل المفهوم الدولي للتعاطي مع الظاهرتين ينطبق مع واقع التهديد في منطقة الساحل الافريقي، هذا زيادة على ان الحدث يعكس نجاح الجهود الجزائرية في اطار الاتحاد الافريقي وحتى في اطار التكيف مع ما يفرضه الواقع الدولي من تحديات، بما يتيح للجزائر الحضور بفاعلية والمسايرة والتكيف الفعلي مع واقع العولمة.
ثمّن منسق كاتب الدولة الامريكي المكلف بمكافحة الارهاب، تجربة الجزائر في محاربة الدمويّين، داعيا الى تقاسمها مع الدول الأخرى، ما تعليقكم؟
تحظى الجزائر اليوم باحترام المجموعة الدولية، من خلال تجربتها في مكافحة الارهاب ودورها في صناعة السلام بالمنطقة، فالجزائر انتقلت من مستوى الحرب على الارهاب الى الحرب ضد الارهاب ضمن مقاربة وقائية واستباقية لمواجهة التهديدات المتفاقمة، لذلك يمكن القول ان الجزائر وضمن تصورها الشامل لمكافحة الارهاب قد انتقلت من الجيل الأول الى الجيل الثاني من آليات مكافحة الارهاب، عبر الحديث عن اجراءات مكافحة التطرّف كخطوة وقائية وذلك لاعتبار التطرف ثمرة للتعصب وسبب اساسي في ممارسة العنف.
العمل الميداني
المسؤول الأمريكي أضاف أن بلاده تعلّمت كثيرا من تجربة الجزائر في مكافحة الارهاب كيف ذلك؟
مساهمة الجزائر في مكافحة الارهاب واضحة، ويعكسها اكثر المقترح الأممي المتعلق بتجريم دفع الفدية والذي اعتمد كمدخل دولي لتجفيف منابع تمويل الارهاب، هذا اضافة الى أن تجربة الجزائر في مكافحة الارهاب والتي اعتمدت فيها على العمل الميداني الذي نجح فيه الجيش الوطني الشعبي، دعمّه ايضا المدخل القانوني الذي توّج بقانون المصالحة الوطنية، بما يعكس اعتماد الجزائر على استراتيجية شاملة ومتكاملة قامت على استمرارية العمل الميداني للجيش الوطني الشعبي ويقابله او يوازيه عمل قانوني واجتماعي يهدف الى ادماج التائبين والمغرر بهم واعادة بناء اللحمة الوطنية ورأب الصدع عبر قانون المصالحة الوطنية.
أبدت أوروبا رغبتها في الاستفادة من رؤية الجزائر فيما يخصّ تجفيف منابع تمويل الارهاب وعودة الدمويين؟
امر طبيعي ان تبدي اوروبا رغبتها في الاستفادة من الرؤية الجزائرية بعد ان اثبتت للمجموعة الدولية عقلانيتها ورشادة توجهها، خصوصا وان الجزائر لقيت صعوبات كثيرة مع بعض الدول الاوروبية التي لم ترضخ ولم تلتزم بمقترح تجريم دفع الفدية حتى بعد الإقرار الأممي لذلك، كما ان تصاعد خطر التهديدات الارهابية في اوروبا أصبحت مسألة تجعل اوروبا في حاجة ماسة للتعلم من التجربة الجزائرية، خصوصا وان التهديدات الارهابية اضحت تشكل خطرا فعليا على استمرارية التعاون والتكامل الاوروبي، وهو ما يوضحه أكثر تنامي النزعات الانفصالية داخل اوروبا، وهو الأمر الذي يجعلها مطالبة اليوم بضرورة الادماج الفعلي لمختلف مكونات المجتمع الأوربي، ومراجعة جادة لسياسة الادماج داخل كل دولة اوروبية.
بعد سنوات من التردّد اقتنع الغرب بأن الخيارات العسكرية لا تحلّ الازمات، وهو ما كانت الجزائر تصدح به في كل مناسبة.
للأسف اقرار الدول الغربية بعدم نجاعة الخيارات العسكرية جاء متأخرا نوعا ما، لأن هذا التأخر ساهم في ضرب استقرار المنطقة العربية عموما، وهو المسألة التي لم تكن بريئة، لأن من تدخل في مالي عسكريا سارع لقطع الطريق على الجزائر حتى لا تحل الازمة سياسيا وبأقل الاضرار، كما ان ضرب ليبيا جاء ايضا تجاوبا مع رغبة بعض القوى الغربية لخلط الأوراق في المنطقة، ضف الى ذلك أن هذا الاقرار جاء عقب امتداد اللا استقرار الى العمق الأوروبي وأصبح يهدّد المصالح الغربية في مجملها، وهو ما ارغم هذه القوى الغربية على اعادة النظر في اولوياتها، لتجد في سياق ذلك المقاربة الجزائرية كحل وحيد وعقلاني لاحتواء تفاقم التهديدات المختلفة، على اعتبار ان دعوة الجزائر للحوار مسألة تندرج في اطار ايجاد حلول قطعية تقوم على خيار السلم والمصالحة كخيار مصيري وليس حلا ظرفيا تصنعه عوامل هشّة يختفي باختفائها.
الرؤية الاستراتيجية
حقّق الجيش الجزائري انتصارات هامة، حيث قضى على أعداد كبيرة من الإرهابيين وأرغم آخرين على الاستسلام، ما قولكم؟
نجاح الجيش الوطني الشعبي في احتواء الظاهرة الارهابية بالجزائر والقضاء عليها مسألة تعكس القدرات العالية للمؤسسة في أداء أدوارها سواء من الناحية التنظيمية أو العملية الميدانية، كما تعكس الرؤية الاستراتيجية والتشخيص الواقعي والعميق لأسباب ومتطلبات التعامل مع خطر التهديدات الارهابية بالجزائر.
فاستراتيجية المواجهة التي اعتمدها الجيش الوطني الشعبي الجزائري، أوضحت نجاحه وفعالية أدائه كمؤسسة تتسم بالانضباط والمسؤولية وتستمد قوتها من عمق انتمائها للشعب الجزائري، الذي يدعم مسيرة جيشه وأثبت أنه لا يتأخر في الانخراط ليصبح جزءا من المنظومة الدفاعية للدولة.
كما أن مسألة عدم تدخل الجيش خارج الحدود الجزائرية كانت احد النقاط التي دعمت قدراته على مجابهة التهديد الارهابي واحتوائه، هذا وان حضور مبادئ ثورة نوفمبر في تقاليد المؤسسة باعتبارها أسسا ومنطلقات يبني عليها الجيش الوطني الشعبي دوره في حماية السيادة الوطنية مسألة جعلت منه صانع أمجاد الجزائر.
التحدي الأمني يشكّل أكبر هاجس للجزائر والمنطقة، فما السبيل لمواجهته؟
هاجس الأمن قضية ترهن مستقبل التنمية في كل دولة، وتؤجل الاسئلة المتعلقة بها في الاجندة الدولية، كما ان استمرار منطق السباق والصراع من اجل الموارد في ظلّ نزعة دولية براغماتية مصلحية تعتبر قضية مؤثرة بالدرجة الاولى على صيانة قاعدة السلام العالمي غير القابلة للتجزئة اساسا، من اجل ذلك يعد الحوار اساس تفعيل الحلول السلمية على اعتبار ان غياب الحوار يقود الى التعصب والتعصب يولد التطرف والتطرف يقود الى العنف ضمن علاقة سببية من شأنها ضرب استقرار العالم وتساهم في اعادة انتاج نفس الفشل ضمن منظور ليبرالي قائم على الفروقات.
تعزيز ثقافة الحوار كسلوك مجتمعي تساعد على التخلص من نزعة اقصاء الآخر، اضافة الى اعادة الاعتبار للمؤسسات الدولية المعنية بصيانة السلام العالمي كلها قضايا من شأنها تعزيز مداخل صناعة السلام.
تربية إتصالية حقيقية
كلمة أخيرة
في اطار الحديث عن مكافحة الجريمة المنظمة والارهاب في ظلّ العولمة، فإنه يجب الاشارة الى ما يشكله ويحمله التطور التكنولوجي من تحدي حقيقي أمام مساعي صيانة سلامة واستقرار الدول، على اعتبار ان التطور التكنولوجي عزّز من مسألة الانكشاف وساهم في تنويع مداخل الاختراق المجتمعي، سواء من الناحية الجغرافية بما يستوجب اعتماد الآليات الكفيلة لمواجهة التهديدات الالكترونية، او حتى من الناحية الفكرية اذا ما اشرنا الى ما تحمله شبكات التواصل الاجتماعي من افكار سلبية وغريبة عنا اليوم يتم الترويج لها بسرعة وكثافة هائلة تصبّ في كثير من الأحيان في خانة الدعم والدعاية والترويج للتطرف، كما ان التطور التكنولوجي يبين لنا ويدعو الى تسليط الضوء على مساعي الجماعات الارهابية وجماعات الجريمة المنظمة في التواصل والتكيف مع التطور التكنولوجي عبر جهودها للتواجد عبر شبكات التواصل الاجتماعي واستغلالها كمدخل للتمدد والتواجد والتجنيد، وهو ما يجعل مجتمعاتنا اليوم بحاجة الى تربية اتصالية حقيقية نعلم فيها ابناءنا خصوصا الطرق السليمة والصحيحة في استعمال التكنولوجيا، إضافة الى تعزيز القناعة بضرورة بناء نظام تصفية وتنقيح وانتقاء للمعلومات التي تضخ عبر الانترنيت.