إن عودة قضية مسلمي بورما للواجهة الإعلامية بعد الانتهاكات الجسيمة التي مست أقلية الروهينجا من أعمال قتل وتنكيل ونفي وهجر قسري لحقت بأطفالها، رجالها ونسائها ذنبهم الوحيد انتماؤهم الديني وتشبثهم بالأرض الأم، وهو أمر لا يعبر على الوضع الحالي فقط وإنما عن حال طال أمده... فما هي خلفيات الوضع الراهن في البلاد؟ لماذا لا تضمن حقوق الأقليات المسلمة في البلاد غير المسلمة كما يفرض ضمان حقوق الأقليات غير المسلمة ومختلفة الانتماء والعرق في الدول المسلمة؟ والأهم أين الدول الاسلامية ومنظماتها وعلى رأسها دولة خادم الحرمين؟ أين السعودية التي ترى نفسها قائدة العالم الإسلامي من كل ما يحدث من انتهاكات وتجاوزات في العديد من أقطار العالم الاسلامي وبالخصوص في بورما ؟ أم أن الخلافات مع قطر أهم...
إن الباحث في تاريخ منطقة جنوب أسيا التي تقع فيها دولة بورما، بالتأكيد سيستشف خلفيات الانتهاكات التي طالت أقلية الروهينجا، وهي انتهاكات جسيمة أقل ما يمكن وصفها بأنها جريمة ضد الانسانية، جريمة تنم على حقد دفين مرتبط بطمس هوية أقلية الروهينجا وهم السكان الاصلين حسب المصادر التاريخية وتغليب الهوية البوذية وهذا منذ فترة الاستعمار البريطاني للمنطقة في 1824 م، وحتى قبل ذلك عند قيام الملك البوذي بوداباي في 1784م باحتلال أراكان درءا وخوفا من انتشار الاسلام في المنطقة فحرض البوذيين الماغ ذو الاصول الهندية على اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم، كما قام الانجليز بتحريضهم نتيجة المقاومة الشرسة التي تلقاها، فكانت سنة 1942م سنة لوقوع مذبحة قتل فيها مئة ألف مسلم في أراكان، للتوالى الانتهاكات والمذابح بكل أنواع وطرق التعذيب والقتل والتنكيل ليُهجّر أكثر من 4,3 مليون في 2010 في إطار ما يمكن تسميته بالأرض المحروقة...
العنـف الطـائفي ووضـع مأساوي فـاق الحـدود
وضع يجعل من مسلمي بورما يفرون لدول الجوار باحثين عن الأمن والاستقرار، غير أن العنف الطائفي يلاحقهم أيضا في مناطق اللجوء كبنغلاداش حيث لجأ إليها أكثر من 72 ألف بسبب الوضع الإنساني المأساوي نتيجة الممارسات التعسفية التي تقوم بها حكومة بورما، لنتساءل هنا أين هي منظمات حقوق الانسان التي تطالب باحترام التنوع العرقي والاختلاف الديني؟ أم ان سياسة الكيل بمكيالين تطال ايضا المنظمات الحقوقية بعد ان أصبحت سمة رئيسية للتفاعلات السياسية الدولية، أم أن فعالية إلزامية القانون الدولي في شقه الانساني تتجسد في مناطق دون اخرى وتدافع عن أقلية دون أخرى؟ ....
من جهة أخرى، المتتبع للتغطية الاعلامية التي ترافق الحملة العدائية من حكومة بورما بقيادة أون سان سو تشي ضد الاقلية المسلمة الروهينغا يجد تفاعلا كبيرا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وكذا في المنابر الاعلامية المختلفة العربية والغربية وهذا لحد المطالبة بضرورة سحب جائزة نوبل للسلام من سو تشي والتي تسلمتها في 1991، نظرا للمجازر المتكررة والفظيعة بحق هؤلاء، لكن يبقى التساؤل مادام أن السياسة القمعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في بورما تعود لأزمنة غابرة لماذا لم يتم تفعيل مواثيق حقوق الانسان في المنطقة؟ أراكان التي تنقل مستجدات الأقلية أولا بأول؟ لماذا لم نسمع خطابات الديمقراطية وشعارات حقوق الانسان ولم يفعل حق التدخل كما فُعّل في ليبيا والعراق من قبل القوى الكبرى تحت ذريعة الحكم الديكتاتوري القمعي لنظامي صدام حسين والقذافي؟ أم أن مفهوم حقوق الانسان مفهوم انتقائي !! ...
إن ما يحدث في بورما ما هو إلا صورة مصغرة عن صراع ديني متجذر في واقع العلاقات الدولية ولكن بتسميات دبلوماسية تحاول إخفاء البعد الديني لأغلب النزاعات والصراعات التي يشهدها العالم شرقا وغربا، ليبقى هذا البعد في النزاعات الدولية مسألة مهمة وأساسية لضمان ديمومة الاوضاع المتدهورة والتجذبات السياسية الحادة في إطار أن الحروب تمثل عنصرا لتدوير عجلة الاقتصاد الدولي، فلولا الحروب والنزاعات ما كان للصناعة العسكرية-الحربية وتطوير البرامج الدفاعية والاستراتيجية الهجومية هذا الرواج وهذه المكانة في علاقات دولية يطبعها الصراع خدمة للبقاء .
أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3