بسبب مواقفها السياسية المشرّفة

حملة مغربية مغرضة ضد البلدان المساندة للقضية الصّحراوية

جمال أوكيلي

يشنّ المغرب حملة إساءة غير مسبوقة ضد البلدان الطّلائعية ذات المواقف المساندة للقضية الصّحراوية، مستغلاّ كل «حادثة» سياسية لإطلاق العنان لتهويل لا أساس له ينم عن حقد دفين تجاهها، وهذا ما تتعرّض له جنوب إفريقيا وفنزويلا.
هذه الإستراتيجية المتبعة من قبل الدوائر الدبلوماسية في المغرب تحوّلت للأسف إلى شكل من أشكال التشفي والانتقام تجاه قادة هذه الدول، متمنية لهم السّقوط في أي لحظة حتى ينهار تعلّقهم بتقرير مصير الشّعب الصّحراوي، وما يقع في جنوب إفريقيا من حراك داخلي طبيعي وما يحدث في فنزويلا إلاّ وتهلّل له وسائل الإعلام المغربية بطريقة غريبة الأطوار لا تستدعي كل ذلك التّضخيم المجاني، ولا ندري لماذا يسعى هؤلاء لوضع الأطراف المؤيّدة للصّحراويّين تحت المجهر بالمراقبة الدّائمة لتحرّكات شعوبهم وكيفية تسيير شؤونهم الداخلية؟
وقد توصّل بالخارجية المغربية إلى تنصيب خلية متابعة تطوّر الأوضاع في فنزويلا، ونشر كل الأخبار التي تشوّه سمعة «البوليفاريين»، فهل هذا متعامل به في الأعراف الدبلوماسية؟ فلماذا تقوم هذه الجهات بتعداد القتلى في الاحتجاجات واحد بواحد؟ هل تراهن على سقوط حكم مادورو قصد تغيير التّأييد للشّعب الصّحراوي؟ لا يحق للمغرب تجاوز سقفا معيّنا من العلاقات بين الدول، بتخصيص جهاز كامل لمتابعة حالة بلد معين وهو بعيد عنه بآلاف الكيلومترات، فهل يرضى أن يتعرّض لمثل هذه الأعمال المخالفة لقواعد النّشاط الدبلوماسي؟ فإلى متى هذه الذّهنية التوسعية لأراضي الغير، المبنية على التهور والاندفاعية وإلحاق الضّرر بالغير؟
نفس الشّيء موجّه إلى المسؤولين الأحرار في جنوب إفريقيا، الذين لم ينج من هجمة شرسة من قبل مؤسسات سياسية وإعلامية مغربية تنقل عنهم أخبارا غير صحيحة تندرج في إطار تشويه أوضاعهم الداخلية.
ونسي المغرب بأنّ قادة جنوب إفريقيا لهم مواقف تقدّمية لا يمكن زعزعتها بتلك الممارسات الدّنيئة، أو بحيل أخرى هي من صنيعة هؤلاء، اعتادوا عليها ويسيرون اليوم على دربها، هذا البلد أي جنوب إفريقيا يعي مغزى الإستعمار، ويدرك أبعاد اللاّئحة ١٥ / ٠١٤، انطلاقا من معاناته التاريخية واللاّإنسانية من الأبرتايد، وينطبق هذا على شعوب أخرى نموذج في الكفاح والتحرر كزيمبابوي وموزمبيق، ماضي هذه الشّعوب مضيئ ومشرق بالنّضال لطرد المحتل، ولا يمكن تصوّر موقف آخر منهم غير مرافقة الصّحراويين في نيل حقوقهم، هؤلاء ينبذون الكذب السياسي الذي يتبعه المغاربة في قضية الصحراء الغربية، عندما ادّعوا بأنّ ما أخذوه بالقوة في ١٩٧٥ تابع لهم، إلاّ أنّ الأمر يتعلّق بشعب أعزل تعرّض لأبشع الإبادة زيادة على أخذ الأرض منهم، هذه هي الحقائق السّاطعة التي استحال على المغرب إخفاءها بالرغم من كل أساليب التّحايل والتواطؤ.
مؤخّرا فقط أكّد وزير الثقافة الجنوب الإفريقي ناتي امتيتوي بمناسبة الإحتفالات المخلّدة لشهر إفريقيا، أنّ القارة وإن تحرّرت إلاّ أن هذا التحرر سيبقى ناقصا ما دامت الصّحراء الغربية تحت الإحتلال، داعيا الأجيال الشابة إلى التشبث بهذا المطلب والدّفاع عنه. هذه رسالة سياسية قوية تؤكّد عدم تنازل هذا البلد عن موقفه مهما كانت الضّغوط المغربية، التي تحاول جاهدة التّأثير والتّشويش على مسؤولي جنوب إفريقيا، بإلصاق بهم كل التّهم الباطلة.
وعلى المغرب الذي هو الآن بصدد إغراء البعض من الأفارقة بمساعدة أطراف لها حضور هناك، أنه لا يستطيع أبدا المساس بمبدأ مقدّس ألا وهو اعتراف هذه الشّعوب بالقضية الصّحراوية، وعليه أن يدرك حقيقة مفادها أنّه ليس هناك سحب عمّا قيل مؤخّرا، وإنما هناك موقف حيادي دون حكم مسبق، وعلى وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة فهم ذلك جيّدا.
والأدهى والأمر ما يحدث اليوم هو أنّ المغرب يعتقد بأنّ القرار ٥١٢٣ لا يعنيه، وتحوّل بقدرة قادر إلى وصي، في كل مرة يدعو الآخرين إلى الالتزام به، في حين أنّ الجلاّد نسي نفسه على هذا البلد تفادي سياسة الهروب إلى الأمام، والقفز في المجهول، لأنّ القرار لم يصدر في المغرب حتى يمليه على الآخرين بل عن مجلس الأمن وهو معني به مباشرة يتحمل تبعاته مهما كان الظرف، ما دام أنه طرف في النّزاع، والأكثر من هذا قوة محتلّة عليه بالانسحاب إن آجلا أم عاجلا.
هذه النّظرة الإستعلائية ليس لها مكان في العمل السياسي، لأنّها تترجم ذهنية أو فكرا جماعيا مهزوزا داخليا، لا يستطيع مواجهة الحقائق في الواقع بل يفضّل التشبت بالأوهام، وهذا النّهج المتبع لا يخدم هذا القرار بتاتا بل يعقّد من خطوط تطبيقه بعد أن تنصّلت منه القوة المحتلّة، وشوّهت مضمونه رافضة المفاوضات المباشرة قصد السّماح بتنظيم الاستفتاء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024