بعد 18 يوما، سيكون الفرنسيون على موعد مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 أفريل، وبينما تتوالى الاستطلاعات والتوقعات تقدم هذا المترشح وتؤخّر الآخر، يستوقفنا الوجه الفاتر الذي يظهر عليه اليسار الفرنسي في هذا السباق المصيري، الذي قد تكون كلمة الفصل فيه لعنصر المفاجأة كما سبق وحدث مع فوز الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بالتّأكيد اليسار الفرنسي يعيش حالة من الضعف والتشرذم لم يشهد لها نظيرا منذ سنوات، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها تراجع فكرة “اليسار والاشتراكية” في العالم أجمع منذ ما يقارب ثلاثة عقود، وعلى الرغم من بعض حالات النهوض هنا وهناك (اليونان، إسبانيا، إلى حد ما إيطاليا)، ما زال اليسار مترنّحا، ويعيش حاجة ماسة إلى إعادة روح التجديد في مشروعه، كي يصبح قادرا على مواكبة التغيرات النوعية التي شهدها العالم.
ثم هناك أيضا التأثير السلبي لولاية الرئيس الاشتراكي “هولاند”، الذي أخفق في تقديم حصيلة مُقنعة عن ولايته، لاسيما في القطاعات الأكثر تأثيرا على الفرنسيين، مثل خفض معدلات البطالة، ومحاربة التطرف والإرهاب، وإنعاش الاقتصاد، والحد من موجات الهجرة، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، لاسيما الشرائح الأكثر تضررا من آثار الأزمة المالية وانكماش معدلات الإنتاج.
لذلك، تبدو الصورة الأولية لما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا قريبة من الاكتمال والوضوح بالنسبة للكثيرين، فمن جهة، هناك اليمين المتطرف الذي دخل المبارزة الانتخابية بقوة وإصرار على كسب جولتها الأولى على الأقل، وهناك إيمانويل ماكرون، الحصان الرابح الذي تراهن عليه الأغلبية وتقدّمه كل الاستطلاعات للفوز بسباق الاليزي، ثم هناك ممثل اليمين الوسط فراسوا فيون الذي كبحت فضيحة الوظائف الوهمية حظوظه في الفوز، ليتذيّل قائمة التوقعات والاستطلاعات ممثل اليسار بونوا هامون ممّا يوحي بأنّ حظوظ الحزب الاشتراكي الذي يعيش أحلك أيامه منذ تأسيسه قبل أكثر من أربعة عقود تكاد تكون منعدمة إلاّ إذا حصلت معجزة.
خاوي الوفاض
حسب كل التوقعات إذن، فإنّ الحزب الاشتراكي سوف لن يكتفي بالخروج منهزما من الدور الأول، بل قد يحصل على أسوأ نتيجة منذ رئاسيات 1969 قبل أن يتولّى الرئيس فرانسوا ميتران أمر إعادة هيكلته وضخّ دماء جديدة فيه.
والأكيد أنّ هذه التوقعات لا تجانب الصواب بالنظر إلى الخلل الكبير الذي يميّز معسكر اليسار والمواقف الشّاذة التي يتبنّاها رجاله، فلأول مرّة نرى قيادات العائلة الاشتراكية تنفضّ وتتخلى عن مرشّحها وتعلن دعمها لمرشّح آخر، وهو ما فعله رئيس الحكومة السابق مانويل فالس الذي طلّق مرشح حزبه بونوا هامون، والتحق بالحصان الرابح إيمانويل ماكرون رغم أنه وقّع على “ميثاق شرف”، يتضمّن مساندة الفائز والممثّل الشرعي للحزب الاشتراكي هامون.
سلوك فالس الانتهازي على ما يظهر، يكون قد أطلق رصاصة الرّحمة على ما تبقّى من روابط بين العائلة الاشتراكية، وقضى على حظوظها في السباق الرئاسي القادم، والتوقعات تشير إلى أن الحزب ماض إلى الانفجار بعد الانتخابات.
وبعيدا عن حالة التخبط التي يعيشها المعسكر اليساري ومرشّحه، من المهم التأكيد بأنّ الانتخابات الفرنسية المرتقبة بعد أقل من ثلاثة أسابيع، قد تفرز مزيدا من المفاجآت.