من مشروع طموح إلى هيكل دون روح...

الجامعة العربية تصارع الموت بميثاق وهياكل عمرها 72 سنة؟!

أمين بلعمري

 تحتضن المملكة الأردنية القمة الـ 28 لجامعة الدول العربية لتسجّل مرور 72 سنة على وضع الميثاق الأول والأخير لهذه المنظمة الإقليمية التي تعتبر من أقدم المنظمات، حيث تزامن تأسيسها وإنشاء هيئة الأمم المتحدة.
الشيء الذي لا يدع مجالا للشك أنّ ميثاق هذه الجامعة تجاوزه الزمن ولم يعد صالحا، ولا قادرا على التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية العميقة التي شهدها العالم على مراحل وفترات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وما رافق ذلك من تحولات جيوسياسية وجيواستراتيجية، بينما لم يطرأ أي تغيير على ميثاق ولا على هياكل جامعة دول العرب، وهذا ما يفسّر أداءها الهزيل في خدمة الصالح المشترك والاستجابة إلى تطلعات الشعوب العربية في غد تكاملي أفضل، يجسّد العوامل المشتركة التي تربط هذه الشعوب بعضها على محك المصالح والتطلعات، لكن للأسف لم يحصل شيء من ذلك، وظلت هذه المنظمة تراكم التعثر والفشل منذ تأسيسها، وكانت البداية بنكبة 1948، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم تستمر الإخفاقات إلى يومنا هذا، الذي يعرف فيه الواقع العربي أحلك أيامه، واليوم لم يعد للقمم العربية ذلك البريق، فانعقادها من عدمه أصبح لا يثير اهتمام شعوب سئمت عبارات الشجب والتنديد التي أصبحت علامة مسجّلة لكل البيانات الختامية للقمم العربية التي تحوّلت إلى مجرد لقاءات تكتفي بإعلان حصيلة الفشل والخيبات.
إنّ النّتائج الهزيلة التي حقّقتها جامعة الدول العربية على مدار سبعين عاما سيما في مجال الاندماج العربي بكل أبعاده السياسية والاقتصادية و العسكرية...إلخ، تؤكد ضرورة إعادة النظر وبشكل جذري في ميثاق وهياكل هذه المنظمة لتمكينها من التكيف مع المستجدات الاقليمية والدولية لتكون قادرة على مواجهة مناورات متعددة تبحث عن تقديم صيغ بديلة عنها على غرار مبادرات مشبوهة ومعروفة الدوافع والأهداف كالسوق الشرق أوسطية والشرق الأوسط الكبير والمبادرة من أجل المتوسط، وغيرها من المشاريع الكثيرة التي تعد بنسف كيان جامعة الدول العربية، في حين تقف الدول العربية موقف المتفرّج ولا تحرّك ساكنا.
لقد كانت القمّة التي احتضنتها الجزائر قبل 12 سنة من اليوم قمة للأمل في بعث مشروع إصلاح طموح ومسؤول لجامعة الدول العربية، وكان بإمكان تلك القمّة أن تشكّل محطة انطلاق قطار الإصلاحات، خاصة وأن المطالب الجزائرية جاءت استجابة لظرف خطير وهو غزو واحتلال العراق، وأتصوّر أن ذلك كان سببا كافيا للمطالبة بالإصلاح وأخذه على محمل الجد، ولكن كالعادة انتصرت لصالح سياسات التسويف والانتظار، والأحداث لم تنتظر وجنت الدول العربية نتيجة ذلك مرة أخرى بانفجار أحداث ما سمي بالربيع العربي، وكعادتها كانت الجامعة العربية الحاضر الغائب وسط كل ذلك لتترك الباب مشرّعا أمام المتربّصين ليعبثوا بمصير الشّعوب العربية ومستقبلها.
إنّ الشّعوب العربية لم تعد تنتظر الكثير من هذه الجامعة وقممها، فهي تعرف مسبقا أنّ الغضب لن يتعدّى في أقصى حالاته حدود الشّجب والتّنديد، كما تعرف أن قرارات قمّة البحر الميت ستولد ميّتة، وأخفض من سطح آمال وتطلّعات شعوب تمتلك كل أسباب ومقومات القوة، ولكن يبدو أن جامعة الدول العربية لم ترق إلى مستوى تطلعات شعوب ستظل تنتظر - رغم قتامة المشهد - قمّة استفاقة تنفض الغبار عن حلمها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024