عزّزت الجزائر حضورها على مستوى مؤسّسات الاتحاد الإفريقي، خلال القمة الـ 28 المنظّمة والتي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث حازت وبالإجماع على منصب نائب الرئيس لمدة سنة كاملة ومنسّقا إفريقيا لمكافحة الإرهاب، إلى جانب احتفاظها برئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي.
شكّلت القمّة الأخيرة للاتحاد الإفريقي محطّة مفصلية للبلدان الأعضاء، نظر لطبيعة القضايا المدرجة في جدول الأعمال المزدحم، تقدّمها انتخابات تجديد رؤساء الهياكل الأساسية والآليات ومسائل إصلاح المنظمة وتعزيز استقلاليتها المالية.
وضرب القادة الأفارقة، بأديس أبابا موعدا مع تجديد الوفاء للمبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي والقناعات الراسخة لكافة البلدان تجاه مسائل ملتصقة بالتاريخ المشترك كمناهضة الاستعمار بشتى أشكاله ومساندة الشعوب المحتلة وتمكينها من تقرير المصير.
وعلى الرغم من الحسابات السياسية التي ميزت الأسابيع التي سبقت القمة، بسبب بروز عوامل جديدة عاكسة لرغبات النفوذ الدبلوماسي على الصعيد القاري والخلفيات الداعمة للمصالح الضيقة لبعض الجهات من داخل وخارج القارة، إلاّ أنّ مخرجات الاجتماع أكّدت تشبّث الأفارقة بالمبادئ الأساسية التي بني عليها الاتحاد الإفريقي مع تشكل إرهاصات قوية للرقي بأداء الهيئة وبلوغ مستوى عال من الفاعلية خاصة على الصعيد الاقتصادي.
وانعكس نجاح القمة، في بلوغ شخصيات دبلوماسية محنكة ومرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الإفريقية المشتركة، على غرار الرئيس الغيني ألفا كوندي الذي انتخب رئيسا للاتحاد الإفريقي لمدة سنة، ووزير الخارجية التشادي موسى فاكي الذي عوض الدبلوماسية نكوسازانا دالاميني زوما على رأس مفوضية الاتحاد الإفريقي لمدة أربع سنوات.
وحظي كوندي وفاكي بثقة غالبية البلدان الأعضاء الذين لمسوا فيهما العناصر اللازمة للحفاظ على تماسك الاتحاد والدفاع عن مصالحه وخدمة شعوب القارة بشكل متوازن، وعدم التعامل مع أيّة أجندة تقلل من قيمة عضو من الأعضاء، خاصة الجمهورية العربية الصحراوية التي تعتبر عضوا مؤسسا للاتحاد الإفريقي.
موضع ثقة وتقدير
واتّسمت أشغال القمة الـ 28 بانتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خلال جلسة مغلقة كنائب لرئيس الاتحاد الإفريقي لعهدة تدوم سنة كاملة، وهو المنصب الذي لم تشغله الجزائر منذ سنوات.
وبعد مرور شهر ونصف عن القمة، عين الرئيس بوتفليقة في 14 مارس الجاري، من قبل النظراء، منسقا إفريقيا لمكافحة الإرهاب، خلال جلسة حضرها الوزير الأول عبد المالك سلال وعرفت تسليم واستلام المهام من قبل أعضاء مفوضية الاتحاد الإفريقي المنتهية عهدتهم والأعضاء الجدد.
وتعتبر المهام المسندة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تعزيزا لحضور الجزائر على مستوى المؤسسات السيادية بالاتحاد الإفريقي، وتعميقا لمساهمة دبلوماسيتها في مناقشة واتخاذ القرارات الحيوية التي تهم المصالح الإفريقية بشكل عام مع التصدي للأجندات المتخفية تحت أقنعة مختلفة.
ولا يمكن وضع الثّقة التي وضعت في شخص بوتفليقة من قبل أعضاء الهيئة القارية، إلا في خانة الثقة الكبيرة والمكانة المحترمة التي تحظى بها الجزائر على الصعيد الإفريقي، مبطلة كل التكهنات القائلة بضعف بريق الدبلوماسية الجزائرية.
وسبق لوزير الدولة وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، أن عبّر على الوزن الكبير للجزائر قاريا بالقول:
«بلادنا لها دور ومكانة معتبر ولا يستطيع أحد أن يعوضها»، في ردّ ضمني على مجمل التحليلات التي تحدثت عن منافسة شديدة في الخفاء والعلن على النفوذ السياسي والدبلوماسي، وما يتبع ذلك من مصالح اقتصادية وحيوية.
أبرز المؤسّسين للهيئة روحا ونصّا
المؤكّد أنّ تاريخ الاتحاد الإفريقي يحفظ بشكل سليم، مساهمة الجزائر في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية والدفاع عن القضايا التي أسّست من أجلها مع الإيمان الراسخ بها وبما أنشأت من أجله.
ويسجّل جيدا دورها الفاعل في تحول المنظمة سنة 2002، إلى الاتحاد الإفريقي بميثاق تأسيسي جديد، قائم على مبادئ شاملة مستوحاة من التاريخ المشترك والأهداف المستقبلية الموحدة للشعوب الإفريقية، وبالأخص وساطتها التاريخية بين إريتيريا وأثيوبيا تحت قبة الهيئة القارية.
ولعب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رفقة نظرائه من نيجيريا، جنوب إفريقيا، مصر والسنغال سنة 2001، في إطلاق مبادرة «الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا» المعروفة اختصارا باسم «نيباد»، من عاصمة زامبيا لوساكا.
ووضعت المبادرة حجر الأساس، للمهمة الاقتصادية والتنموية للهيئة القارية، إلى جانب المهام التقليدية السياسية والأمنية.
وستلعب الجزائر من منصبها كنائب لرئيس الاتحاد الإفريقي، دورا حاسما في تنفيذ خطة إصلاح المنظمة القارية، التي أشرف على إعداد الرئيس الرواندي بول كاغامي رفقة 10 خبراء، والتي تستهدف إعطاء الفعالية التقنية والسياسية للاتحاد دون المساس بالمبادئ التأسيسية.
تجنّد دائم
الوزن المحوري للجزائر ضمن منظمة الاتحاد الإفريقي، مسند بعوامل تاريخية ومواقف سياسية راسخة، حيث لم تعتمد يوما سياسة الكرسي الشّاغر، ودعّمت بشكل فعلي كل القضايا التي صبت في صالح الشّعوب الإفريقي بدءاً من مساندة حركات التحرر ماديا ودبلوماسيا، ووقوفها إلى جانب البلدان التي مرّت بصعوبات اقتصادية من خلال المساعدات أو مسح الديون.
وتؤكّد في كل مناسبة انخراطها في المساعي المشتركة لضمان فعالية أداء الاتحاد الإفريقي دون أية حسابات، على غرار حرصها على اقتطاع غرامة قدرها ٢ . ٠ بالمائة من قيمة واردات لكل دولة لتمويل ميزانية المنظمة ودعم استقلاليتها المالية والتخلص تدريجيا من التبعية للخارج ما يؤدي تلقائيا إلى استقلالية القرار السياسي.
وكان رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة، قد قال عشية انطلاق القمة الـ 28 في حوار للمجلة الفرنسية
«جون أفريك»، بأنّ «الجزائر قامت دوما بتضحيات من أجل الاتحاد الإفريقي..مانديلا تلقّى تكوينه العسكري في بلادنا وكذلك قادة حركات التحرر، ولم نقم يوما بإرسال فاتورة نظير ما قدّمناه لمساعدة الشعوب على الاستقلال، ومستعدّون اليوم لمزيد من التضحيات المادية وبمختلف الأشكال من أجل الهيئة».
وتجدر الإشارة إلى تقاطع مبادئ الدبلوماسية الجزائرية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتغليب الحوار السياسي والسلمي لحل الأزمات مع مبادئ الاتحاد الإفريقي، ما يضعها في المكان الأنسب لدعم الجهود الرامية لتسوية أزمات ليبيا وبورندي وجنوب السودان.
منسّق مكافحة الإرهاب
واستطاعت الجزائر بمجهود خاص أن تجعل من تجربتها في مكافحة الإرهاب مرجعية تتقاسمها مع المجموعة الدولية ككل، حيث تعرض سنويا مقاربتها بمختلف عناصرها على مستوى منظمة الأمم المتحدة وفي ورشات المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي تعتبر عضوا مؤسسا له.
ومن هنا، لا يشكّل تعيين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منسّقا إفريقيا لمكافحة الإرهاب أدنى مفاجأة، بالنظر للخبرة التي يحوزها في مجال التعاطي مع الظاهرة العابر للأوطان، معتمدا آليات المصالحة الوطنية والديمقراطية وسيادة الشعب والتكفل بالانشغالات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، خاصة فئة الشباب والحرص على مرجعية دينية وطنية والتصدي للخطابات المتطرفة والمستوردة.
ونادت دول عديدة، خاصة التي تعرف أزمات داخلية عصية في السنوات الأخيرة، مقاسمة تجربة الجزائر في المصالحة الوطنية وتقوية الجبهات الداخلية كما هو الحال بالنسبة للجارة ليبيا ومالي وبلدان أخرى. وتحتضن الجزائر منذ سنوات مقر المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث حول الإرهاب.
شرقي مستمر على رأس مجلس السّلم والأمن الإفريقي
استخلف الدبلوماسي إسماعيل رمطان لعمامرة، على رأس مجلس السلم والأمن الإفريقي سنة 2013، قادما من موسكو، حيث كان يشغل منصب سفير فوق العادة.
ثلاث سنوات من العمل الجاد على قضايا شائكة، مكّنت شرقي، من كسب ثقة 36 عضوا، للمواصلة على رأس هذه المؤسسة الحيوية للاتحاد الإفريقي لعهدة أخرى بـ 4 سنوات، وبالرغم من تلقّيه منافسة قوية من قبل النيجيرية فاطمة كايري محمد التي رمى الرئيس محمد بوهاري بكل ثقله من أجل فوزها بالمنصب.
ومنذ 2008، باتت مفوّضة السلم والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي، مرتبطة بالجزائر، حيث تولّى رمطان لعمامرة رئاستها في ذلك التاريخ وحظي بالثقة المطلقة لعدة ثانية سنة 2012، قبل أن يترك مكانه لإسماعيل شرقي.
وتأسس المجلس في 25 ماي 2004، بمناسبة اليوم العالمي لإفريقيا، وترتكز مهامه الرئيسية على ترقية السلم والأمن في القارة الإفريقية وتقوية مسارات السلم وإعادة البناء ما بعد النزاعات ووضع آليات استباقية للأزمات وتبني سياسات مشتركة دفاعية واستراتيجيات موحّدة لمكافحة الإرهاب.
وحرص إسماعيل شرقي سنة 2015، على تشكيل قوات إفريقية مشتركة لمحاربة جماعة بوكو حرام الإرهابية ببحيرة التشاد، وتفعيل قوة إفريقية للرد السريع على الأزمات مع تعزيز المنظومات التكوينية للأجهزة الأمنية لبلدان القارة.
اعترافا بجهوده في تسوية النّزاعات
الرّئيس بوتفليقة ينتخب نائبا لرئيس الاتحاد الإفريقي لـ 2017
حمزة محصول
شوهد:1299 مرة