صحيح أنّ الأزمة الليبية لم تأخذ منحى المعضلة السّورية، ولا هي في درجة دمويتها، لكنها بعد ست سنوات من اندلاعها مازالت تشكل هي الأخرى واحدة من الأزمات المستعصية على الحل، بالرغم من الجهود التي تبدلها الأمم المتحدة والمبادرات التي تطرحها هذه الجهة والأخرى، والتي إن كانت تلقى تأييد طرف من أطراف الصراع في الداخل الليبي، فهي حتما تلقى معارضة الطرف الآخر ما يبقي الحل مؤجلا الى إشعار آخر والتصعيد سيّد الموقف.
في ظرف ست سنوات أصبحت ليبيا بلا مبالغة بؤرة للعنف والفوضى والتجاذبات السياسية التي رهنت أمن البلاد ووحدتها وحوّلتها إلى نقطة جذب للارهابيين الذين يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض، وقذفت بها إلى مرمى ناهبي الثروة ومؤججي النزعات القبلية والمناطقية، الأمر الذي أحدث شرخا مزلزلا في الكيان الشعبي الليبي وبات الانقسام واقع تظهر ملامحه في كل مكان حتى أن السلطة أضحت تتنازعها ثلاث حكومات «الوفاق» برئاسة فايز السراج وتحظى بالشرعية الدولية و»المؤقتة» المنبثقة عن مجلس النواب ويترأّسها عبد الله الثني ومستقرها طبرق و»الإنقاذ» التي شكلها المؤتمر الوطني العام بطرابلس بعيدا عن أي شرعية ويرأسها خليفة الغويل، ولكل حكومة قوات أو جيش يتبعها.
وهذا الانقسام رهن مسألة معالجة ملف الانفلات الأمني وانتشار الجماعات المسلّحة والارهابية، وأعاق الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الماضية في التدهور، حتى أن هناك الكثير من المراقبين من يتساءل عمّا تحقّق لليبيين بعد ست سنوات من انتفاضتهم وإسقاطهم للنظام السابق، بل وهناك الكثير ممّن يجزم بأنّ حركة التغيير التي انطلقت لأجل بناء دولة ديمقراطية مزدهرة، وصلت بليبيا إلى حالة أسوأ.
بعد ست سنوات لا زالت السّفينة اللّيبية تائهة في بحر هائج ، تقاوم الأمواج العاتية وتحاول الخروج إلى برّ الأمان، لكن صراع الربابنة الذين يصر كل واحد على أنه الأحق بقيادتها، يؤخّر العملية ويطيل معاناة الأشقاء في الجارة الشرقية ما يحتّم تحركا من أطراف نزيهة تأخذ بيدهم وتساعدهم على رسم معالم طريق النجاة، وهو ما تفعله الجزائر التي راهنت منذ البداية على أن حل الأزمة الليبية سلمي ويمر عبر الحوار وبمشاركة جميع الفرقاء.
لمّا بدأت فوضى «الرّبيع الدموي» نهاية 2010 وبداية 2011، لم يكن أحد يتوقّع أن تصل العدوى إلى ليبيا بتلك السرعة الفائقة، ليشهد العالم في ظرف اشهر معدودة سقوط ثالث زعيم عربي.
لقد كان من الممكن تجنيب ليبيا المأزق الذي تعيشه اليوم لو لم تتدخل أطراف خارجية بعد احتجاجات 15 فيفري 2011 للدفع نحو اصطدام السلطة بالشعب، ومن تم تمهيد الطريق لتدويل الأزمة وفرض تدخل عسكري قاده «الناتو» الذي بدأ بقصف مواقع الجيش الليبي والمؤسسات الحكومية في 19 مارس، وبحلول أواخر أوت من العام نفسه، ضمنت هذه الحملة العسكرية سقوط النظام و سيطرة المعارضة المسلحة على طرابلس والعديد من المدن الأخرى، التي أصبحت تحت سلطة «المجلس الوطني الانتقالي».
لقد تبين مع مرور الوقت أن تدخل «الناتو» الذي هلّل له كثيرون، كما أسقط النظام، أسقط ليبيا في بحر من المصاعب الأمنية والحياتية، فرغم غياب الأرقام، فقد قتل العديد من الليبيين واضطر الكثيرون للجوء إلى الخارج، فيما تراجعت صادرات النفط الليبية بقرابة 90 %، كما خسر الناتج المحلي الإجمالي قرابة 200 مليار دولار من قيمته.
بالإضافة إلى كل ذلك، أصبحت ليبيا أهم نقطة لاستقطاب الارهابيين،
ولانطلاق سفن وقوارب تقل مهاجرين غير شرعيين من مختلف الدول الإفريقية إلى سواحل أوروبا، حيث فقد الآلاف حياتهم خلال هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
ومنذ عام 2012، تحاول ليبيا انتخاب مؤسسة حاكمة موحّدة تلقى تأييد جميع الأطراف في الداخل ، لكن هذه الجهود التي أيدتها الأمم المتحدة، لم تحقق هدفها حتى الآن، ما يحرّك دول الجوار باعتبارها المعنية أكثر من غيرها بالوضع المتفجر هناك، لتقود مساعي وتعقد اجتماعات هدفها الوحيد مساعدة الاشقاء الليبيين على الخروج من هذه المحنة.
والأكيد أنّ الآمال كبيرة في أن تتمكّن القمة الرئاسية المزمع عقدها بين الجزائر ومصر وتونس الشهر القادم، من طي فصول الازمة الليبية ووضع قطار السلام على سكته الصحيحة، لكن كل الجهود التي تبذلها دول الجوار ستبقى دون فعالية ما لم يتجاوب معها فرقاء ليبيا.
بعد ست سنوات من العنف والفوضى
حان الوقت لحلّ الأزمـــة اللّيبيـــة
فضيلة دفوس
شوهد:759 مرة