لا يهدأ بال قادة الكيان الصهيوني حتى يصفّوا كل من يشتمّون فيه رائحة المقاومة، وتاريخ هؤلاء مليء بالاغتيالات لأبرز الكفاءات النّضالية الفلسطينية في شتّى الفصائل، وما تزال حتى الآن تلاحق الكوادر الميدانية كمروان البرغوثي وغيرهم سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الشيخ ياسين أو الرنتيسي والقائمة طويلة لا تعد ولا تحصى لرجال وقفوا ضد الإحتلال.
مفهوم المقاومة لدى دول الطوق غير متبط بالجنسية، بقدر ما هو مفتوح على القناعة التّامة في الكفاح ضد اغتصاب الأرض وإلغاء الإنسان، وكل من يحمل هذه القيم السّامية في قلبه وعقله لا يتوان في إيجاد الإطار الذي ينشط فيه، وهو بذلك يعتقد بأنّ امتدادات هذه المهام ليس بتلك الأوهام الجغرافية الفاصلة عبر حدود اصطناعية رسمها الإنسان.
منذ أن دخل حزب الله في المستنقع السّوري تشتّت أوراقه السياسية والأمنية والعسكرية، وهذا بانهيار ما يعرف بالكتلة المتماسكة إلى أجزاء متناثرة منتشرة هنا وهناك، لا تستطيع التحكم المباشر والدقيق في القرار، وهذا ما حدث مع سمير القنطار وابن عماد مغنية نفس سيناريو القتل.
هذا ما يؤكّد أنّ العمل الذي يريد نصر الله إنجازه خارج فضاء آخر سيكلّفه ثمنا باهضا، وهو يقف على ذلك يوميا، إلا أنه لا يمكنه التراجع أو الإستسلام، لأن منطق الحرب يقول هكذا ليس هناك انتصارات على الأرض، كل ما في الأمر أنّ “زيد حلّ محل عمر” في نقطة معينة وهكذا دواليك، إنّه كرّ وفرّ وقصف وصواريخ مجنحة، وغيرها من الأدبيات الحربية في هذه المنطقة.
ولم يكشف نصر الله كيف قتل القنطار؟ وإنما قال أنّ إسرائيل هي التي قتلته، فلتنتظر الرد المناسب في الوقت المناسب، كما أنّه سارع إلى تفويت الفرصة على المعارضة المسلّحة التي أرادت أن تتبنّى العملية، لكن الخطّة فشلت فشلا ذريعا من باب أنّ الطّيران هو الذي نفّذ تلك الجريمة وليس أناس في الأرض الذين كانوا يوجّهون فقط.
وهذا الإختراق الإستخباراتي لأجهزة حزب الله دوّخ الأمين العام وأقلقه كثيرا، وهذا عندما يغتال الأب والإبن مغنية وسمير القنطار، وتفجيرات الضاحية. كلّها أحداث متتالية ومتسلسلة تبين بأنّ العمل على كل هذه الجبهات مستحيل في تحقيق الهدف، بدليل أنّ ما كان ينوي القيام به هذا الأخير دمّر وذهب أدراج الرّياح.
وهكذا يضيّع هذا التّنظيم إطاراته العسكرية في حروب كلّفته الكثير والكثير من الخسائر المادية والبشرية، وفي مقابل ذلك لم تسجّل أي استراتيجية أخرى في الميدان قصد حماية عناصره وضمان أمنهم في المناطق المشتعلة، وخاصة القيادات التي تخطّط للمعارك التي ليست في منأى عن أي اعتداء، وحتى يتم تفادي ما حدث للقنطار وإبعاد التّأثير المعنوي على الرّجال. إنّها مهمّة صعبة، لكنها غير مستحيلة، خاصة إذا أدركت قيادة هذا الحزب رسائل قتل ابن مغنية والقنطار من الآن فصاعدا كي لا تتكرّر العملية ثانية.
وحقّ الرد الذي يرفعه حزب الله لا علاقة له بما يجري في سوريا، وإنما هو التّأكيد على مبدأ الندية لإسرائيل للجم غطرستها وتوقيف قادتها عند حدّهم، خاصة مع التّغييرات في جهازهم الإستخباراتي الذي قام به نتنياهو مؤخرا، وفي إسرائيل يتوقّعون كل الاحتمالات من هجومات على الحدود، أو تصفيات جسدية، لكن قد يكون الرد على شكل آخر لا يتوارد على ذهن الإسرائيليّين، وهذا ما يعمل عليه حزب الله حاليا، بعد أن برّروا قتل القنطار بأنّه رفض العودة إلى بيته، وفضّل مقاومة إسرائيل التي جنّ جنونها عندما رأته ثانية في ساحة المعركة.