تقرير مصير الشعب الصحراوي الخيار الوحيد
اعتبر الاستاذ الباحث عربي بومدين في حديث لـ«الشعب”، بأن الزيارة المرتقبة للأمين العام للأمم المتحدة الى المنطقة تندرج ضمن سلسلة الجهود الأممية الرامية الى تسوية القضية الصحراوية من خلال اطلاق مفاوضات مباشرة بين البوليساريو والمغرب واقرار حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وسجّل بأن الاحتلال المغربي الذي يحارب طواحين الريح، يصرّ على عرقلة تسوية آخر قضية تصفية استعمار في القارة الافريقية لاسيما في ظلّ انتهاكه المستمر للشرعية الدولية وتقويض فرص انتعاش أمل الانفراج بتواطؤ من بعض الدول النافذة.
كما عرّج الباحث على الانتصارات التي حققتها القضية الصحراوية في المدّة الأخيرة وختم بالتشديد على ان سياسة الهروب الى الامام التي يمارسها المغرب ومحاولته قتل القضية الصحراوية بالتقادم،مآلها الفشل لأن الشرعية في النهاية ستنتصر والشعب الصّحراوي سيقول كلمته التي لن تكون غير الاستقلال. التفاصيل في هذا الحوار .
“الشعب”: يزور الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” المنطقة شهر جانفي ما الجديد في الجولة؟
عربي بومدين: المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء الغربية “كريستوفر روس” صرّح في مداخلة له لدى مجلس الأمن الأممي الاسبوع الماضي أن “بان كي مون” سيقوم بزيارة إلى المنطقة مطلع السنة القادمة (جانفي 2016)، وفي اعتقادنا هذه الزيارة تندرج ضمن سلسلة الجهود الأممية لتسوية القضية الصحراوية باعتبارها آخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا،وتنفيذ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وذلك وفق ما تقتضيه القوانين واللوائح الأممية، إضافة إلى تسهيل مهمة المبعوث الأممي “كريستوفر روس” في زيارة جميع الأماكن التي يريد زيارتها داخل الاقليم المحتل، وحثّ المغرب على التعاون من اجل تسوية النزاع بين المغرب المحتل والجمهورية العربية الصحراوية.
ومعلوم ان الاحتلال المغربي يضع العراقيل تلو الاخرى لإجهاض مهمة “روس” فقد رفض شهر أفريل الماضي مطلب الإتحاد الإفريقي بتوسيع مهام بعثة “المينورسو” لتشمل ملف مراقبة حقوق الإنسان التي تضمنها القرار رقم 494، الذي اصدره مجلس السلم والأمن للإتحاد الافريقي وقرار مجلس الأمن رقم 2152 الصادر في الـ 29 أفريل 2014، وهو ما يعتبر تحديا من جانب المغرب لكل الأطر الإقليمية والدولية.
يبدو أن المسعى الأممي يصبّ في اتجاه بعث المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع البوليساريو والمغرب لأجل تحقيق غاية محدّدة وهي تقرير مصير الشعب الصحراوي، فكيف الضغط على الاحتلال للامتثال للشرعية الدولية؟
الإجابة عن هذا السؤال تبدأ من حيث انتهت إجابتنا على السؤال الأول، وهو التحدي المغربي لكل الأطر الإقليمية والدولية الرامية إلى الالتزام بالمواثيق الاممية والامتثال للشرعية الدولية، وفي اعتقادنا إنّ المغرب قد لا يستجيب إلى المساعي الأممية في بعث مسار المفاوضات المباشرة، لأنه يرفض الاعتراف أصلا بوجود إقليم اسمه “الصحراء الغربية” رغم الإرث التاريخي الذي يؤكد ذلك، اضافة الى رفضه الصريح الدخول في مفاوضات مباشرة مع “جبهة البوليساريو”، وكذا عدم الاعتراف بمهمة وشخص المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “كريستوفر روس”، المغرب يناور ويتهرب من الامتثال للشرعية الدولية، وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية، مع ذلك فالضغوط الممارسة عليه ستضطره حتما للرضوخ للشرعية الدولية.
ألا تعتقدون بأن هنالك من يتواطأ مع الاحتلال المغربي ويساعده على التنكّر للحق الصحراوي المشروع؟
سؤال مهم ومحوري، ولا شك أن هذا الأمر هو الذي يعمل على استمرار هذا النزاع، ويمنح المغرب تعنتا صريحا في مواجهة القانون الدولي الذي بات في اعتقادنا لا يتجاوب مع الواقع الحالي القائم على القوة وتعظيم المصلحة.
بالرجوع إلى سؤالكم، فإن التطور التاريخي للقضية الصحراوية منذ 40 سنة، يؤكد رفض الاحتلال لأي حلّ يعيد للشعب الصحراوي حقه المشروع، كما يؤكد بأن انتهاج المغرب لسياسة المماطلة وعرقلته لمساعي حل النزاع ورفضه الدخول في مفاوضات سلمية جادة، إنما يعكس استناده على قوى فاعلة تدعمه لاستكمال مسيرته المعطّلة للجهود السلمية في الصحراء الغربية.
يستند المغرب في تشبته باحتلال جزء من الأراضي الصحراوية على القوى الداخلية التي يجندها في كسب التلاحم.. يستند إلى القوى الرسمية وغير الرسمية من نقابات ومنظمات المجتمع المدني بالمغرب على موقفه السلبي، ناهيك عن الحملات الإعلامية ومواقف النخب على مختلف أشكالها، والتي تتخذ في بعض الأحيان صورة العداء ضد كل من يساند حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، أما على المستوى الخارجي، فإن ثمة تواطؤا صريحا من طرف القوى الفاعلة في النظام الدولي، وهو ما يجعل الجهود الأممية في سبيل حل القضية مرهونة إلى حدّ كبير بالتوازنات الاستراتيجية، ولفهم ذلك لابد من فهم التوازنات داخل مجلس الأمن الدولي، هذا الأخير الذي يضم دولا تدعم المغرب كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
كيف ذلك؟
تجمع فرنسا علاقات استراتيجية مع المغرب من خلال تمتعها بصفة الحليف الاستراتيجي خارج “الناتو”، وتوقيع اتفاقية التبادل الحر سنة 2004، فضلا على كونها نقطة الارتكاز في السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، دعم فرنسا للمغرب ينبع من الاعتبارات التاريخية، والارتباطات الاقتصادية كون المغرب يعد شريك اقتصادي مهم بالنسبة للتوجهات الفرنسيىة والأوروبية عامة في منطقة المغرب العربي.
أوضح “كريستوفر روس” مؤخرا بأن: “النزاع الصحراوي الذي يدوم 40 عاما،تحول إلى قنبلة موقوتة لابد من العمل الجاد لتسوية القضية الصحراوية من خلال تحريك المفاوضات . فما هي قراءتكم لهذا الكلام؟
لا شك أن قضية الصحراء الغربية تعد من بين القضايا العالقة التي تختص بقضايا تصفية الاستعمار داخل الأجندة الأممية، مع التأكيد أن هذا التصريح لـــ “روس” يندرج ضمن المساعي الحثيثة لحل هذا النزاع سليما في إطار التعاون الإقليمي والدولي، على اعتبار أن عدم الوصول إلى حل يضرب في الصميم مصداقية الأمم المتحدة ويعبر عن فشل ذريع لهذه المنظمة التي باتت في رأي الشعوب المستضعفة مجرد أداة في يدّ القوى الكبرى تستدعيها حال تعزيز فرض قوتها بالإطار القانوني الدولي على غرار ما حدث في العراق (2003) وليبيا (2011).
لكن الاحتلال المغربي يصرّ على إفشال مهمة “روس” من خلال منعه من زيارة الأراضي الصحراوية، وقد استنجد المبعوث الأممي بمجلس الأمن للضغط من أجل تطبيق اللوائح الأممية منها تطبيق استفتاء تقرير المصير؟
بطبيعة الحال، فإن السلطة في المغرب تحاول قدر الإمكان عدم الرضوخ للمساعي التي يقوم بها المبعوث الأممي “روس”، فضلا على عدم التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولا المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب (CADHP)، اضافة عن عدم التجاوب مع المبعوث الخاص للإتحاد الإفريقي إلى الصحراء الغربية (الرئيس الموزمبيقي السابق “جواكيم شيسانو”)، وكذا رفض التعاون حتى مع المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وهي المقاربة المغربية المنتهجة منذ بداية النزاع في غلق الباب أمام الحوار ونهج خيار الهجوم بما في ذلك التهجم على الجارة الجزائر. ويبقى في اعتقادنا أن إنصاف الشعب الصحراوي يمرّ حتما بوقف دعم المغرب من طرف الذين يتحكمون في تنفيذ الشرعية الدولية..
كلمة أخيرة
* بالتأكيد المغرب يسير في تعميق الحرج الذي بات يلازمه اتجاه هذه القضية، لاسيما في ظلّ انتهاكه المستمر للشرعية الدولية وتقويضه فرص انتعاش أمل الانفراج، لاسيما في ظلّ التحولات التي باتت تعرفها المنطقة المغاربية وما يلازمها من استقطاب، وبالتالي فهناك آمال كبيرة يعلقها الصحراويون على الزيارة القادمة للأمين العام الأممي قصد التعجيل بتنفيذ استفتاء تقرير مصيرهم الذي لا يمكن لأي احد ان يمنعه عنهم .