إدراكا منها بخطورة الوضع الأمني في المنطقة، وإيمانا بحتميّة التحرّك لمواجهة وردّ التّهديدات التي يفرضها الدّمويّون في الجوار والإقليم، احتضنت الجزائر بحر الأسبوع الماضي لقاءين هامّين، أمّا الأوّل فتجسّد في الدّورة العادية الـ ٧ لاجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا، والثاني تمثّل في ملتقى “مبادرات التّنمية للاتحاد الإفريقي في السّاحل وآفاق اتّفاق السّلم والمصالحة في مالي”.
اللّقاءان تمحورا أساسا حول البحث عن أفضل السّبل وأنجعها لحلحلة الأزمة اللّيبية، التي أصبحت تلقي بظلالها الدّاكنة على المنطقة، وسبل تطبيق اتّفاق السّلم والمصالحة الموقّع منتصف ماي الماضي بين أطراف الشّمال المالي والسّلطة المركزية في باماكو.
لقد أصبحت الأزمة اللّيبية تثير مخاوف كبيرة بعد أن تحوّلت أرض شيخ الشّهداء عمر المختار إلى مركز لصناعة وتصدير الدّمويّين، فبات من الضّروري التحرّك الإستعجالي والجدّي لمنع تحوّل ليبيا إلى “إمارة” في “دولة” “داعش” الإرهابية.
الأزمة اللّيبية التي بدأت صغيرة، أخذت تكبر ككرة الثلج وتحوّلت مع السّنوات إلى قنبلة موقوتة، لهذا تسعى الجزائر جادة لأجل إقناع الفرقاء هناك بضرورة الاتفاق على تشكيل سلطة انتقالية تمهّد لإعادة انتخاب مؤسّسات الدولة التي انهارت تماما بفعل الخيار العسكري الذي تبنّاه الغرب للإطاحة بالنّظام السّابق.
ليبيا لم تعد وجعا لليبيّين وحدهم، فألمها سكن المنطقة برمّتها، لهذا تتحرّك الجزائر ضمن دبلوماسيتها الوقائية لإيجاد تسوية تعيد ترتيب البيت شيئا فشيئا، وتعرّى المجموعات الإرهابية ما يسهّل عملية دحرها.
والمؤكّد أنّ الجزائر سوف لن تستكين ولن ترتاح إلاّ إذا تمّ اقتلاع الشّوكة المغروسة في جوارها الشّرقي.
ومثل انشغالها بما يجري وراء حدودها الشّرقية، يبدو انشغال الجزائر أكبر بالتطوّرات الحاصلة في مالي، وقد تجلىّ واضحا بأنّ الهجوم الإرهابي الذي استهدف فندق “راديسون بلو” بباماكو قبل أيام، كان مثابة ناقوس الخطر الذي دقّ معلنا بأنّ التّهديد الأمني ما زال قائما في الجارة الجنوبية رغم اتّفاق السّلام الموقّع منتصف ماي الماضي، الأمر الذي يتطلّب مزيدا من الحيطة والتّنسيق لسدّ كل الثغرات التي يمكن أن يستغلّها الدّمويّون لارتكاب فظائعهم.
لقاء الجزائر حول مالي الأسبوع الماضي، سجّل ضرورة تنفيذ جميع الإلتزامات التي تضمّنها اتفاق السّلم والمصالحة خاصة ما تعلّق بجانب التّنمية والمشاركة السياسية، وشدّد على أهمية الإستثمار في الأمن الجماعي بانخراط جميع بلدان السّاحل والصّحراء باعتبارها كلها تواجه نفس التحدّي.
الجزائر تدرك جيّدا الخطر الأمني الذي تواجهه المنطقة، وتؤمن بأنّ التّهديد الإرهابي محدق بالجميع، لهذا فهي تكثّف جهودها لصدّ الأبواب أمام هذا التحدي، الذي لم تعد تحدّه حدود أو تقهره جيوش.