أدخلت المغرب في عزلة دولية والأسوأ قادم

الصّحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيـــا تتطلّع لتقريــر المصير

أمين بلعمري

يستمرّ المغرب في سياسة الهروب إلى الأمام وتحدّي الشرعية الدولية من خلال مواجهة مجهودات الأمم المتحدة بالتعنّت، وإدارة الظهر لكل مساعيها الرامية إلى التوصّل إلى حل عادل للقضية الصحراوية، عبر بعث المفاوضات بين الاحتلال المغربي وجبهة البوليساريو، وكذا إجهاض كل مبادرة من شأنها إنعاش مسار التسوية السلمية، ويكفي أن إعلان الخارجية المغربية بداية الشهر الجاري عن منع السيد كريستوفر روس من زيارة الأراضي الصحراوية المحتلة، ليتأكّد أنّ لدى المغرب ما يخفيه ويخيفه في الوقت نفسه.
 حيث أنّه لا يريد أن يطّلع أحد عمّا يقترفه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في هذا الجزء من الأراضي الصحراوية، الذي يريده أن يبقى خارج مجال التغطية من خلال بذل الممكن والمستحيل من أجل إجهاض توسيع مهام بعثة “المينورسو” إلى مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم المحتلة، كما يخشى تماما من إجراء استفتاء تقرير المصير ،ويعمل على إجهاضه ويسوّق بديلا عنه مشروعه للحكم الذاتي، وهو مقترح يذكّرنا في حقيقة الأمر بمشاريع الحماية والانتداب الاستعمارية التي لم تكن إلاّ مصطلحات مهذّبة تخفي الاستغلال والاستعبا، ومساحيق تجميل تستعمل لتغطية الوجه القاسي والبائس للاحتلال، الذي لا يمكن أن نسمّيه غير ذلك حين يقوم بمصادرة إرادة وصوت شعب، وينصّب نفسه وصيا على شؤونه ويفرض عليه صيغة لا يريدها، ولو كان لدى الحكومة المغربية النزر القليل من الشجاعة لتركت للصّحراويين حق الاختيار الحر لما يريدون، ولكنها تدرك جيدا أن مقترحها لن يقبل به صحراوي واحد.
إنّ الزيارة الأخيرة للملك المغربي إلى الأراضي الصحراوية المحتلة في ذكرى مسيرة العار ، لا يمكن أن ندرجها إلا في خانة العزة بإلاثم وتمجيد الاستعمار، وفي حين تحاول الدعاية المغربية تصويرها على أنّها إنجاز تاريخي وفتح عظيم بينما هي “حقرة” - كما نسمّيها بالجزائرية - ولا أحسن من هذه الكلمة لوصف ما وقع تحت مسمى “المسيرة الخضراء” حين انقضّ المغرب على شعب بدوي مسالم - استبشر خيرا بانسحاب الاستعمار الاسباني - الذي جثم على صدره حوالي قرن كامل - لم يكن حينها يتوقّع أن تأتيه طعنة في الظهر من جار قريب.
والأدهى من ذلك كلّه استمرار الملك محمد السادس في الاستخفاف بمشاعر الصّحراويّين وعقول الناس في كل العالم، عبر تقديمه لوعود الرّفاه والغد المشرق للصّحراويّين في الأراضي المحتلة، ولكن الملك لم يوضّح كيف يكون هذا الغد مشرقا في ظلمة الاستعمار يا ترى؟ ثم هل هناك عاقل واحد في هذا العالم يصدّق هذا؟!
أمّا بالنّسبة لنا نحن كجزائريّين، ومن فرط حساسيتنا للاستعمار ومعرفتنا بأساليبه   الخبيثة، فإنّنا نعتبر أنّ الطّريقة التي أحيا بها المغرب الذكرى الأربعين لاحتلال الصحراء الغربية شبيهة بما فعلته فرنسا الاستعمارية في الذكرى المئوية لاحتلال الجزائر، حين وعدتنا بالجنان ونعيمها، وشيّدت البريد المركزي لتسجل بحروف من خزي وعار مائة سنة من القتل والظلم والنهب...إلخ.
الأكيد أنّ الاحتلال سيزول مهما طال الزمن،  وهذه حتمية لا مفر منها، واليوم لم تعد الأباطيل المغربية في تبرير استعمار الأراضي الصّحراوية تنطلي على أحد، وإن استطاعت أن تضلّل بعض الناس لبعض الوقت فلا يمكنها أبدا أن تضلّل كل الناس في كل الأوقات، وليس هناك من تفسير آخر لاستمرار الحكومة المغربية في سياسة المماطلة والتسويف في قضية محسومة من وجهة الشرعية الدولية  ومكتملة الأركان قانونيا إلا بربح الوقت لنهب المزيد من خيرات الشعب الصحراوي، والاستمرار في البزنسة في الكواليس  والدهاليز لشراء ذمم دول وحكومات، وإرشائها بهدف دعم مواقفه الباطلة.
ويا للأسف هناك بعض منها اختارت التواطؤ الرخيص في السرقة والنهب الممنهج لأقاليم محتلة، وهذا بالرغم من أنّ الشّرعية الدولية نصّت على حماية تلك الأراضي إلى أن تقرّر شعوبها مصيرها بكل حرية.
يبقى أنّ الرسالة الأخيرة التي وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، والتي  دعا فيها كلا من الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو إلى استئناف المفاوضات بطريقة جدّية حملت انتقادا صريحا للسلوك المغربي الملتوي، الذي يحاول عبره في كل مرة التملّص من المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة للتوصّل إلى حل عادل لقضية الصحراء الغربية، ولمعاناة شعبها المستمرة على مدار 40 سنة كاملة. ولا شك أنّها أصبحت اليوم تشكّل مصدر حرج للهيئة الأممية بسبب فشلها - خلال مدة فاقت أكثر من نصف عمر من وجودها - في تصفية آخر مستعمرة إفريقية من الاحتلال الأجنبي.  

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024