بن نكاع الباحث بمركز الدراسات والبحث الدولي بباريس في حوار مع “الشعب”

الجاليـــة العربية والمسلمة الأكثر تحمّلا لتبعـــات اعتداءات بــاريس الإرهابية

أجرت الحوار : آمال مرابطي

 

 

 

 

“الإسلاموفوبيا” الورقـة الرّابحـة في الانتخابات الجهوية لشهر ديسمبر

 عاد عصام بن نكاع استاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر والباحث بمركز الدراسات والبحث الدولي بباريس في حديثه لـ “الشعب الى الصّدمة التي أحدثتها هجمات باريس الارهابية، والاجراءات التي اتخدتها فرنسا لمواجهة التهديدات التي تفرضها التنظيمات الدموية، وعرّج على انعكاساتها على الجالية العربية والمسلمة التي يراها البعض جانية، ويحمّلها وزر ما ارتكبه “داعش” الإرهابي من فظائع باسم الدين الاسلامي المنزّه عن مثل هذه الأفعال الشنيعة.
وحاول الأستاذ عصمان بن نكاع من باريس، استقراء التوجهات السياسية الفرنسية بعد الـ 13 نوفمبر 2015، على المستوى الداخلي والخارجي، وخلص الى أن الهجمات الارهابية الاخيرة عزّزت شعبية الرئيس فرانسوا هولاند، كما صبّت في مصلحة الحزب الاشتراكي الحاكم مما يدعم حظوظه في الانتخابات الجهوية المزمع تنظيمها الشهر القادم تمهيدا للرئاسيات المقررة في 2017. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه “الشعب”.
 “الشعب” ما تعليقكم حول الاعتداء الارهابي الذي استهدف فرنسا وانعكاساته؟
عصام بن نكاع: بداية يمكن القول إن العاصمة الفرنسية باريس ينتابها الذعر هذه الأيام جراء العمليات الإرهابية غير المسبوقة التي شهدتها والتي تبناها تنظيم (داعش) الارهابي الذي نفذ عدوانه هذه المرة في قلب واحدة من أقوى دول العالم، وفي العاصمة الأكثر أمنا وآمانا التي تستهوي ملايين السياح سنويا.
فرض حالة الطوارئ كان أول ردّ فعل تبنته القيادة الفرنسية لملاحقة مرتكبي الجريمة النكراء، وكشف خيوطها التي تمتد إلى العاصمة البلجيكية بروكسل من أين انطلق الجناة.
 والمثير للاهتمام أنه في أقل من أسبوع تمّ القضاء على المجموعة الارهابية التي نفذت هجمات باريس بما فيها العقل المدبر بـ “سان دوني” ومع ذلك ففرنسا مازالت في حالة استنفار خشية وقوع اعتداءات مماثلة، والخشية هذه تشاركها فيها كل أوروبا وخاصة بلجيكا التي تأكد أن المهاجمين قدموا منها.
بالموازاة مع فرض حالة الطوارئ تمّ تشديد الإجراءات الأمنية، خاصة وأن باريس مقبلة الأسبوع القادم على احتضان حدث بارز وهو مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي  من 30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر 2015، الذي حظي بقدر أوفر من الإشهار طيلة العام الجاري، يليه احتفالات أعياد الميلاد، ورأس السنة، بعد ذلك هناك حدث قاري آخر كبير وهو احتضان فرنسا لكأس أوروبا للأمم في الصيف المقبل. كل هذه الأحداث تستقطب أعدادا كبيرة من الناس، وضمان أمنهم واجب من اجل إنجاح هذه التظاهرات التي تعد في حد ذاتها مصدرا ماليا يدعم خزينة الدولة الفرنسية.
العرب والمسلمون أول الضحايا
 أيّ انعكاسات لهذه الأحداث المروّعة على الجالية العربية والمسلمة بفرنسا؟
 رغم وجود عرب ومسلمين من بين ضحايا الهجوم الارهابي في باريس، إلاّ أن كثيرين لا يذكرون ذلك وفي المقابل يسجلون بأن الذين اغتصبوا أمن فرنسا في 13 نوفمبر 2015 وارتكبوا مجزرة مروّعة خلّفت 130 قتيلا ومئات المصابين هم من اصول غير فرنسية، حتى وان كانوا ولدوا بها ويحوزون على جنسيتها، إن هذا الأمر يثير الكثير من القلق.
 بالطبع إن الجالية العربية والمسلمة هي من ستتحمل تبعات الأحداث الباريسية المأساوية، خاصة وأن الضربة موجعة والحصيلة ثقيلة، لنتيجة الحتمية هي زيادة الضغط على هذه الجالية التي هي أصلا في حالة صراع من أجل التصالح والاندماج مع المجتمع هنا. زيادة على أنها في غنى عن هذه المشاكل لأن مشقة الحياة في أروبا تكفيها، فإذا كانت تداعياتها المادية ستزول مع مرور الوقت، فإن الآثار المعنوية ستبقى لزمن غير قريب.
لقد استنكرت الجالية العربية والمسلمة وأدانت بشدة هذه الأعمال الهمجية، واستشهدت بمبادئ الإسلام السامية السمحة التي تتمحور حول التعايش الديني السلمي، ومع ذلك فهي خائفة من زيادة نسبة الكراهية ضدها سواء داخل المجتمع الفرنسي او الأوروبي بشكل عام نتيجة هذه الأحداث التي مصدرها “شواذ” يسيئون للإسلام ونتيجة التأثير الذي تفرضه وسائل الإعلام المختلفة، والتيارات المعادية للإسلام التي تحاول دوما الاستثمار في هكذا فرص لتحقيق أغراضها السياسية في الحملات الانتخابية، خصوصا وأن المجتمع الاوروبي والفرنسي يستهلك كثيرا المنتوج الإعلامي.
وربما سينعكس ذلك أيضا على عنصر الشباب الفرنسي المنحدر من أصول  عربية، الذي سيواجه تحديات أوصعوبات مستقبلية في مجال الشغل، مع تضاؤل فرص العمل لدى الجالية هنا، وأهم ما يخشى منه الآن هو التضييق على المساجد، أو اتخاذ إجراء إغلاقها.
انعكاس خارجي آخر يمكن تسجيله يتمثل في حركة الهجرة والسفر إلى فرنسا، سيكون حتما هناك زيادة تكثيف الإجراءات الأمنية في السفر من وإلى الدول الاروبية، أو ربما حتى عدم منح التأشيرة بالقدر الذي كان عليه سابقا، كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية. سيما أن اوروبا تعيش هذه الأيام توافد الآلاف من اللاجئين السوريين، كما سيتم أيضا إعادة النظر في  وضعية المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في فرنسا وربما ترحيلهم إلى بلدانهم بشكل أكبر من السابق.
الأمر الآن أصبح جد معقد للجالية العربية والمسلمة، لأننا أصبحنا الآن نرى أن الإنسان العربي المسلم هو الجاني وهو الضحية في آن واحد؟؟ لكن في آخر المطاف سيأخذ حقه من اللوم أكثر من نصيبه من العطف. ليبقى يتأرجح بين خيوط لعبة لا يدري في أي برّ سيلقي به القدر.
كيف هو مسار السياسة الفرنسية داخليا وخارجيا بعد هجمات باريس؟
 يمكن أن نقول بأن الأحداث الأخيرة لها الكثير من التداعيات على الساحة السياسية، ولا تدع مجالا للشك في بروز تغيير جوهري في السياسة الداخلية والخارجية الفرنسية.
 على مستوى السياسة الداخلية: اعتقد بأننا سنرى بأنها سوف تصبح أكثر حذرا ويقظة في الداخل من خلال المصادقة على قانون الطوارئ كما اشرنا سابقا، الذي يتم بموجبه تكثيف الإجراءات الأمنية، بما يقتضي ضمان تحقيق الأمن الداخلي الفرنسي، حيث إن المؤسسات الفرنسية المختلفة اليوم، لا تتوانى في بعث الرسائل إلى المواطنين من اجل اليقظة والحذر والتبليغ.. في سيناريو ينبئ بمحاولة إقناع القاعدة الشعبية بالتعاون مع السلطات وتطبيق التعليمات الأمنية من اجل إنجاح الخطة الأمنية الداخلية المتبعة.
 على المستوى الخارجي: يمكن القول إن السياسة الخارجية الفرنسية ستكون أكثر حدة من السابق، حيث سيغلب عليها الطابع الهجومي أكثر وزيادة التدخل في مناطق مختلفة من العالم بحجة حماية مصالحها والوقاية، الاستباق وتجنب وقوع أحداث مثل تلك التي حدثت والتي جاءتها من الخارج. والدليل على ذلك إرسال التعزيزات العسكرية واللوجستية الكبيرة إلى سوريا وكذا الغارات المكثفة التي ينفذها سلاح الجو على مواقع “داعش الارهابي” هناك.
- من جهة ثانية: نلاحظ أن فرنسا في علاقاتها مع العالم الخارجي، تلجأ من جهة إلى تنبيه الدول الحليفة والصديقة بمدى الخطورة والقوة التي بلغها الإرهاب الدولي، الذي أصبح قادر على ضرب أهدافه في قلب أقوى الدول. ومن جهة أخرى، إلى محاولة إقناعها بالانضمام الى صفها من اجل ضرب الدمويين في عقر دارهم. كما أنها تعمل على كسب تأييد الدول للتعاطف معها اثر الأحداث التي وقعت في باريس، وذلك على اعتبار أن العدو مشترك وفرنسا تمثل حليف تاريخي واستراتيجي لهذه الدول، كما تربطها بهم شراكة في شتى المجالات. والدليل على هذا حتى أن “لامارساياز” أي النشيد الوطني الفرنسي دوى في كل ملاعب كرة القدم في المقابلات التي لعبت في الدوريات الاوروبية، واعتقد أن فرنسا إلى حدّ الآن قد نجحت في ذلك.
“الإسلاموفوفيا” في تصعيد مخيف
أيّ تأثير على الخريطة السياسية والانتخابات المقبلة؟
حسب استطلاع للرأي قامت به مجلة Huffington Post بعد أحداث 13 نوفمبر  2015، فإن شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولا ند ارتفعت إلى 27 % أي بزيادة 7 نقاط  مقارنة بشهر أكتوبر الماضي، وحتى نسبة المعارضة للرئيس هولاند تراجعت إلى 73% بعدما كانت 79% قبل شهر، هذه النسب تمثل أحسن نسبة للرئيس الفرنسي منذ العام 2015 حسب المتتبعين.
أما بخصوص رئيس الحكومة مانويل فالس فهو الآخر حاز على 39% أي بزيادة 3 نقاط حسب استطلاع الرأي أجرته وكالة  Ifop، أي هو الآخر شهد انتعاشا في نسبة الرضا الجماهيري عليه، ربما يعود كل هذا الانتعاش لالتفاف الفرنسيين حول الوطن وليس الأشخاص في انتظار الانتخابات.
كما أن الأحداث الأخيرة صبّت في مصلحة الحزب الاشتراكي الحاكم حيث منحته نوعا من “الربح” بتعبير نظرية الألعاب، مما قد يدعّم موقفه في الانتخابات الجهوية القادمة المزمع تنظيمها في ديسمبر 2015 ، تمهيدا للانتخابات الرئاسية 2017. مما سيجعل الصراع يشتعل من جديد بين الكتل السياسية، وحول التوظيف السياسي لهذه الأحداث، وقد تكون مواضيع الملفات الأمنية التي تتمحور حول “الخوف، الهجرة غير الشرعية، ملف اللاجئين، الإرهاب، التطرف، الاسلاموفوبيا..” هي الأوراق الرابحة في الانتخابات القادمة، والمواضيع التي يتم التركيز عليها من اجل استقطاب الناخبين، عوضا عن المواضيع الكلاسيكية ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية مثل ملفات الشغل، البطالة، السكن.. التي تعتبر الكابوس الأول الذي يرهق كاهل الحكومات في العالم.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024