تجاذبات حول “الإنتقال السّياسي” في سوريا

الأولوية للحلول الدّاخلية أم الخارجية؟!

جمال أوكيلي

لم تلق مبادرة مجموعة فيينا ل­إرساء انتقال سياسي في سوريا الإجماع المنتظر، وهي الآن محلّ تجاذبات بين الأطراف المعنية بهذا الملف، خاصة الرّوس والأمريكيّين والبلد المستهدف سوريا، ناهيك عن تصريحات القادة الإيرانيين الذين يوعزون الأمر إلى السّوريّين في تقرير مصيرهم خلال المرحلة القادمة.
تفاجأ المتتبّعون للشّأن السّوري للتّفاهم الذي وقع بين كيري ولافروف بخصوص الفترة الانتقالية في هذا البلد، استنادا إلى رزنامة واضحة المعالم تمتدّ على آجال ٦ أشهر للشّروع في وضع بدائل سياسية جديدة، بمشاركة كل الفعاليات القادرة على التّعامل مع الأحداث المرتقبة في غضون الأفق المحدّدة لتجسيد الخيارات المطروحة.
ولابدّ من التّأكيد هنا بأنّ المشهد السّوري في الوقت الرّاهن يتميّز تارة بالتّوافق بين الكبار، وتارة أخرى بتعالي الأصوات من داخل سوريا الرّافضة لما اتّفق عليه هؤلاء. وهذا ما يؤدّي إلى بروز مواقف صعبة من قبل السّوريّين، الذين يرفضون هذه الصّيغة، وقد ورد ذلك صراحة على لسان الرّئيس السّوري بشّار الأسد في حديثه للتّلفزيون الإيطالي “راي”، نقلته قناة “روسيا اليوم” عندما شدّد على منحه سنتين كاملتين من أجل استكمال ما سمّته جماعة فيينا بالانتقال السّياسي، موضّحا ضمنيا بأنّه لا يعقل مباشرة أيّ فعل سياسي والأراضي السّورية ما تزال في قبضة المسلّحين.
هذه رسالة واضحة مفادها أنّ المرحلة الإنتقالية لن تكون في سوريا بالشّكل الذي يريده كيري، ومن سار على هذا الدّرب أي تسليم السّلطة على طبق من ذهب للمعارضة، في حين أنّ المعركة في الميدان لم تحسم منذ قرابة ٤ سنوات، أي عند بدء هذا النّزاع..وهذا المنطق لن يقبل به الأسد كونه لم يشاوره أحد في مسألة الإنتقال السّياسي، وإنما يراد أن يفرض عليه كحلّ الذي ليس من بعده أيّ حلّ.
وحاليا، فإنّ روسيا موافقة على المبدأ العام القاضي بإيجاد المخرج اللاّئق للأزمة السّياسية، التي ستؤدّي حتما إلى تراجع العمل العسكري بحكم قرار إسكات السّلاح في كامل المناطق السّورية، إلاّ أنّ هناك تركيز على الجزئيات كمعاودة مطالبة روسيا بالإبقاء على الأسد، وهذا من باب التخوّفات التي تبديها إزاء مرحلة ما بعد الأسد. هذا هو انشغال القادة الرّوس، لأنّ رحيل بشار لا يعني أبدا انتهاء هذا النّزاع، بل ستظهر مشاكل أخرى خطيرة جدا، ستكون على شاكلة العراق..لا أمن ولا استقرار.
والمعارضة المعتدلة التي إن قدّر لها أن تتولّى زمام السّلطة في سوريا، ليس بمقدورها استكمال مسار بناء المؤسّسات المعوّل أن تكون في هذا البلد، كونها تفتقر إلى التّجربة في إدارة شؤون الوطن بكل هياكله، زيادة على الفلتان الأمني الذي ستعاني منه بحكم الذّهنية الطّائفية التي ما تزال معشعشة في الكثير من المناطق، يصعب التّصرّف فيها وفق ما تريده الدّولة المركزية.
وهناك خطاب هادئ يتبادله كل من الرّوس والأمريكيّين حول سوريا دون أي غطرسة أو تعنّت، وظهر هذا الاتجاه منذ سقوط الطّائرة الرّوسية في سيناء وتفجيرات باريس، كان لابد من إبداء موقف روسي مرن وليّـن تجاه ما يجري من أحداث خطيرة، ولّدت جوّا مليئا بالانتقام من الآخر، وحتى سحقه بواسطة وسائل حربية والذّهاب إليه وضربه جوّا وبحرا.
وهكذا فإنّ محاربة “داعش” بالنّسبة للرّوس هو نشاط عسكري دائم دون ارتكاب أي خطأ يذكر، الذي سيكلّف غاليا، وهذا العمل ليس له علاقة بالأبعاد السّياسية المتوخّاة لاحقا، وصناعة هذا “السّلام” لا يعني المتشدّدين بدليل أنّهم عرضة للقصف اليومي، وهم بعيدون كل البعد عن أيّة مبادرة في الأفق أو يراد الانتقال إلى وضع آخر الذي يبحث عنه الرّوس، لأنّه لا يعقل أن يستمرّ سلاح الجوّ في ضرب أي شيء قائم في الرقة أو في مناطق أخرى توجد تحت سيطرة هؤلاء.
ويرى العديد من الخبراء في مكافحة الإرهاب، أنّ الطّريقة المتّبعة حاليا في ضرب “داعش” لا تفي بالغرض، أي استعمال الطّائرات والأساطيل والبوارج الحربية. هذا يبيّـن نقص التّجربة لدى هؤلاء، وليس لديهم تصوّر في القضاء على هذا الوحش وتدميره، لا لشيء سوى لأنّ هناك خطأ استراتيجي يرتكب حتى الآن، ألا وهو تعقّب “داعش” في سوريا فقط في حين أنّّه موجود في كل مكان، العراق، ليبيا...والإرادات التي تدعو إلى هزمه ودحره الصّادرة عن أوباما وكامرون وهولاند، ليست واقعية لأنّها لا تعمل في الميدان وإنما تنظر إليه من السّماء بالأقمار الصّناعية، وهذا لا يحلّ المشكلة أبدا، وتبحث عن بياناته في الأنترنت، لذلك استعمل الفرنسيّون مصطلح “الحرب”، أعلنها هولاند لكنّنا لا ندري متى تنتهي؟ وضمنيا فإنّها طويلة المدى تجاه عدوّ وتارة موجود عندهم على أراضيهم، وتارة أخرى في بقع أخرى!؟

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024