هل استغلّ “داعش” الإرهابي أزمة اللاّجئين لتسفير عناصره إلى الغرب وتنفيذ عملياتهم؟ ولماذا يحرص التّنظيم على استهداف فرنسا تحديدا دون غيرها؟ وهل يدفع اللاّجئون إلى أوروبا ثمن الهجمات على باريس؟ ولماذا تحوم الاتّهامات دائما وتوجّه إلى الإسلام والعرب والمسلمين وهم أبرياء من الأعمال البربرية والهمجية؟
أسئلة باتت أجوبتها مفضوحة خاصة بعد الصور التي تداولتها بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن عناصر إرهابية من تنظيم ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية” الإرهابي، تواجدوا مؤخرا في بلدان أوروبية كلاجئين، الأمر الذي يهدّد بإطفاء شمعة الأمل التي حملها اللاجئون وخاصة منهم السوريون، ويجعل جرس الإنذار وناقوس الخطر يدقّان أبواب اللاّجئين والعرب والمسلمين بشكل خاص في القارة العجوز.
رغم أنّ “داعش” صناعة غربية على أرض عربية من أجل إقامة خريطة الشرق الأوسط الجديد، ولكن الانقلاب عليه جعل عناصره يغيّرون نظرتهم وينتقمون بشنّ عمليات إرهابية بتواطؤ مع عناصر غربية داخلية.
تكتيك التّنظيم الإرهابي بات واضحا للعموم، حيث أنّه يستغلّ أزمة اللاّجئين لشنّ هجوم على أوروبا التي يشارك بعض دولها في التّحالف الدولي ضد “داعش” بسوريا والعراق، الأمر الذي دفع قادة الغرب إلى انتهاج كل المسالك التي قد تسهم في القضاء على هذا التّنظيم الذي اعتبره البعض خطرا وجوديا.
ويعيد تبنّي التّنظيم التّفجيرات الدامية على فرنسا في 13 نوفمبر إلى الأذهان الحادث الإرهابي الذي وقع في العاصمة نفسها في جانفي الماضي، حين استهدف مقر صحيفة “شارلي إيبدو”. ولعل السّبب الأساسي الذي يكمن خلفه استهداف هذه الجماعات الإرهابية لفرنسا تحديدا، هو أنّها تضمّ أكبر جالية مسلّمة في أوروبا، فمن وجهة نظرهم المحدودة يعيش المسلمون في فرنسا حالة من الاضطهاد التي وجب الثّأر لها، ممّا يجعلها هدفا مباشرا للعمليات الغشيمة التي قد تطال مستقبلا دولا أوروبية أخرى.
كما أنّ سياسة فرنسا الشّرق الأوسطية، ومحاربتها لـ “داعش”، ودورها القوي في التّحالف الدولي كانت ضمن الأسباب التي جعلتها القبلة المفضّلة لدى الإرهابيين وعملياتهم.
ويعتبر دعم فرنسا الواضح للحرب ضد الإرهاب أبرز الأسباب التي قد تدفع “داعش” نحو استهدافها تحديدا، خاصة بعد صفقات الأسلحة التي وقعت مؤخّرا بين مصر وفرنسا، وحاملة الطائرات التي أرسلتها إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد التنظيم الذي تسلّل الرّعب لنفوس عناصره المرضى وأثار مخاوفه باعتباره لا يرى لنفسه بديلا، ويسعى لجرّ العالم نحو حرب ثالثة. وما زاد الطّين بلة اقتران الهجمات الإرهابية على فرنسا بأزمة اللاّجئين، حيث أثار عثور الشرطة الفرنسية على جواز سفر سوري قرب جثة أحد المهاجمين مخاوف من أن يكون بعض المشاركين في الهجمات قد دخلوا أوروبا متسلّلين في صفوف عشرات آلاف اللاّجئين الفارّين من الحرب في سوريا والعراق.
وفي ألمانيا، كان يدور جدل كبير حول هذه المسألة حتى قبل هجمات باريس، خاصة مع تدفّق كمّ هائل من المهاجرين الذين يتوقّع أن يصل عددهم في ألمانيا إلى المليون، ممّا حمل وزير داخليتها “توماس دي ميزيير” للتدخل من خلال تصريحاته المتواترة لوقف أي محاولة للربط بين الإرهابيين واللاجئين.
من ناحية أخرى، بات من الضّروري على اللاّجئين والمهاجرين وحتى الزوّار، الخوف من ردود الفعل العنيفة التي قد تواجههم في أوروبا خاصة بعد هجمات باريس التي راح ضحيتها 129 شخصا، فبينما كانت الهجمات تحدث في العاصمة المنكوبة اشتعلت النيران في مخيم للاجئين في كاليه، تلاها إضرام للنار في بعض المساجد في إسبانيا وهولاندا، ومسيرات مطالبة بطرد المسلمين من فرنسا.
من المؤكّد أنّ معظم اللاجئين إلى أوروبا باتوا مدركين خطورة الموقف وتداعيات هذه الاعتداءات التي ستشدّد الخناق عليهم من الناحية الأمنية وستنمّي الكره الأوروبي، حيث سينظر بعض الغربيّين للعرب والمسلمين على أنّهم قتلة وإرهابيون.
غير أنّهم لا زالوا على الطّريق إلى أوروبا، عازمين الدخول إلى الاتحاد الأوروبي دون تردّد، ولعل ذلك يعود لفقدانهم الأمل في بلدانهم التي هتكت الحرب عرضها، فتصبح بذلك العداوة التي يمكن أن يواجهوها من قبل الأوروبيّين أقل سوءًا من القنابل التي تسقط عليهم يوميا