مما لا شكّ فيه، أن المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، “بيرناردينو ليون” الذي بذل جهودا كبيرة لأجل إطلاق عملية سياسية تتوّج بحلحلة الأزمة اللّيبية، فشل في أداء مهمته فشلا ذريعا.
وبرغم أن الكثيرين يحمّلون “ليون” سبب الإخفاق ويرجعون ذلك إلى عدم حياده وانجيازه إلى طرف على حساب آخر، فإننا نجزم للأمانة ومن خلال متابعتنا اليومية لمساعيه، بأنّه بذل جهدا مضنيا لإقناع فرقاء ليبيا بالجنوح إلى السّلام واستطاع أن يجمعهم حول طاولة حوار واحدة، لكن أطماعهم في الاستفراد بالسلطة وخلافاتهم السياسية أجهضت مشروع الاتفاق الذي اقترحه لتشكيل حكومة توافقية تكون بيتا جامعا وقاطرة تعيد ليبيا إلى السكة الصحيحة.
إن هذا الدبلوماسي الاسباني لم يدّخر جهدا أو وسيلة لمحاولة إذابة الجليد الذي شكّل جدارا فاصلا بين اللّيبين الذين اصطفوا وراء حكومتين متوازيتين واحدة في طبرق معترف بها دوليا، والثانية في طرابلس، ولكلّ واحدة برلمان يسبح في فلكها.
شمّاعة “ليون”
لا يجب مطلقا تعليق الفشل على شمّاعة “بيرناردينو ليون” لأنه اجتهد ونظّم العديد من جولات الحوار في الكثير من العوامل وأوّلها الجزائر، وبدت الأمور تسير في الاتجاه الصّحيح، واعتقدنا كما اعتقد الجميع بأن العقبات التي كانت تظهر أمام كل جولة حوار يمكن تجاوزها بتنازل من هذا الطرف وذاك، لكن التفاؤل كان يصطدم في كل مرّة بتعنّت من هنا أو هناك، وبرفع لسقف المطالب والشروط، التي كان من الواجب التخلّي عنها في سبيل تحقيق المصلحة العليا للبلاد وللشعب اللّيبي الذي يعاني الأمرّين منذ أربعة أعوام، حتى أصبح يتمنى لو أنّ الزمن يعود به إلى الوراء، حيث كان الأمن والاستقرار في الواقع لقد بدأ في آخر جولة حوار الشهر الماضي أن ليبيا باتت أقرب من أيّ وقت مضى للخروج من عنق الزجاجة، عندما أعلن “ليون” التوصّل إلى اتفاق لتشكيل حكومة وفاق وطني، ووزّع المناصب حسب ما اعتقد بأنه يمكن أن يرضي الجميع، لكن إرضاء اللّبيين في وضعهم هذا يعتبر أمرا مستحيلا وغاية لا يمكن إدراكها.
لهذا وما أن طرح أسماء المسؤولين الذين سيتولون المناصب الحكومية القادمة حتى قلّب المتحاورون الطاولة على رأسه وعادوا أدراجهم إلى ليبيا معبئين قواعدهم التي خرجت في مظاهرات واحتجاجات رافضة لمقترح الحكومة التوافقية، وانقضى موعد الحسم الذي حدّده المبعوث الأممي ليون للتوقيع على الاتفاق النهائي في ٢٠ أكتوبر الماضي، ورمى المنشفة بعد أن سلّم التركة الثقيلة لخليفته الدبلوماسي الألماني مارتن كلوبلر.
التركة الثقيلة
«مارتن كوبلر” الذي يعتبر ثالث مبعوث أممي إلى ليبيا بعد الدبلوماسي الإسباني “بيرناردينو ليون” واللّبناني طارق متري، تسلّم ملفّا شائكا ما في ذلك شك، وحسب المعطيات الأولية ومن خلال سهام الانتقاد التي طالته مباشرة بعد تعيينه من طرف العديد من الجهات الليبية، فإن مهمته سوف لن تكون سهلة، بل وهناك من المتشائمين من يتنبأ حتى بفشلها.
لقد لقي هذا الوافد الجديد إلى ليبيا نقدا لاذعا في الإعلام اللّيبي بمختلف إنتماءاته، الذي نعته بالفاشل مستندا ـ كما كتب إلى تجاربه السابقة في العراق والكونغو الديمقراطية.
وبدورنا لا نعتقد بأن الطريق ستكون مفروشة بالورود أمام “كوبلر” بالنظر إلى الملف اللّيبي الشائك والملغّم بالسّلاح والإرهاب والقبلية والنزعة الانفصالية عند البعض وحتى بالتدخلات الخارجية التي تؤلب هذا الطرف على ذلك وتؤجّج الأوضاع وتلهب النيران.
بصدق التركة التي تسلّمها “كوبلر” من “ليون” ثقيلة والعبء كبير يستدعي أوّلا سدّ الثغرات التي جعلت مهّمة المبعوث الأممي السابق تفشل، وثانيا إشراك جهات محايدة تلقى القبول عند طرفي الأزمة، وقبل ذلك وبعده يجب على المجتمع الدولي أن يضغط على الأطراف المعرقلة لجهود السلام حتى ترضخ للأمر الواقع وتتوقّف عن وضع المطبّات في طريق الأمن والإستقرار، وتنهى سياسة جلد الذات التي أدمت الشعب الذي لم يكن يعتقد بأن رغبته المشروعة في التغيير شتتحوّل إلى حبل يلتف حول رقبته.
الحلّ بيد اللّبيين
وفي الأخير يجب أن نؤكّد بأن الجزء الكبير من الحلّ هو بيد اللّبيين أنفسهم الذين وبدل أن تشتّتهم الأطراف المتآمرة بين هذه الجهة وتلك، عليهم أن يتوحّدوا ويخرجوا إلى الشوارع صفّا وصوتا واحدا يدعون إلى وقف المهزلة والقتال والاتفاق على تشكيل حكومة تقود مرحلة انتقالية، لتنظم بعدها انتخابات يشارك فيها هؤلاء المتشبّتون بالسلطة وإن منحها لهم الصندوق فهي لهم.
على الشعب اللّيبي أن يفرض نفسه ويقول كلمته ما دام هو الذي يدفع الثمن الغالي من حياته وأمنه واستقراره. وكلمته يجب أن يخرج بها يوميا إلى الشوارع ليعلو صوته صوت السّلاح ويسكته.
مارتن كوبلر.. في سطور
كلف الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا خلفا لبرناردينو ليون، الذي فشل في إقناع أطراف النزاع في ليبيا بالتوصل إلى اتفاق سلام.
وكان وكوبلر البالغ من العمر (62 عاما) سفيرا لألمانيا في كل من العراق ومصر، وهو يرأس منذ عامين بعثة الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية.
عمل كوبلر لدى وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر، وانضم إلى الأمم المتحدة في 2010، بصفة مساعد المبعوث الأممي إلى أفغانستان، قبل أن يعين مبعوثا خاصا إلى العراق بين العامين 2011 و2013.
ترحيله من العراق
كان “كوبلر” ممثلا خاصا للأمم المتحدة في العراق، ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” في الفترة من أكتوبر 2011 إلى جويلية 2013، وزادت المطالبات بتغييره في العراق لإعلان تأييده لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي..
تاريخه المهني
ويعد “كوبلر” محاربا قديما في وزارة الخارجية الألمانية، وتقلد عدة مناصب رفيعة المستوى، بما في ذلك مديرا عاما للثقافة والاتصالات في ألمانيا بوزارة الخارجية، وسفيرا لألمانيا في العراق ومصر.
وشملت مناصبه الأخرى نائبا لرئيس مجلس الوزراء السابق بين عامي 1998 و2000، وعمل لدى وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر
2000 - 2003، وكان نائب رئيس فرقة عمل البلقان بوزارة الخارجية من عام 1997 إلى عام 1998، وكان له دور فعال في تنفيذ التمثيل الألماني مع السلطة الفلسطينية في أريحا، وقام بدور المراقب الانتخابي مع بعثات الأمم المتحدة في هايتي، نيكاراجوا وكمبوديا.
حياته الشخصية
حصل “كوبلر” على شهادة في القانون ويجيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإندونيسية والعربية، ومتزوج بالدبلوماسية بريتا واجنز ولديه 3 أبناء.