لم أشأ يوما أن أقف بالتّقييم أو النّقد لمن أراه دخل أرذل العمر، لاعتقادي بأنّه من غير الجائز واللاّئق أن نوجّه سهام العتاب واللّوم للذين يعيشون مرحلة الشّيخوخة بما يميزها من ضعف وقلة حيلة.
لكن اليوم أريد أن أضع الاستثناء لأقف بالتّقييم، وحتى الانتقاد عند مسيرة منظمة الأمم المتحدة التي احتفلت السبت الماضي الموافق لـ ٢٤ أكتوبر بالذكرى الـ ٧٠ لإنشائها.
فهذه المنظّمة الدولية التي تأسّست مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية للاهتمام بشؤون الدول والعمل على حفظ وصيانة أمنها وسلامتها، تبدو من الظّاهر هيكلا زجاجيا ضخما يتوسّط عاصمة أقوى دولة في العالم، لكن من الباطن يلمس الجميع تقصيرها حتى لا نقول عجزها وضعفها، ويلمح جيّدا بأنّها مقيّدة بأغلال مجموعة من الدول تعدّ على أصابع اليد الواحدة، جعلت نفسها فوق الكل واحتكرت امتيازا لا يحقّ لغيرها، تدير من خلاله شؤون الكون وفق ما تحدّده بوصلة مصالحها وأجنداتها الخاصة والهيئة الأممية تبصر من مقرّها الفخم ما وصلت إليه الأمور في مجلس الأمن، الذي يعد أهم أجهزتها دون أن تقوى على فعل شيء سوى ما يجود به أمينها العام من مسكّنات بين الحين والآخر تتمثّل في مناشدات وإدانات لا أكثر ولا أقل.
لا يمكن أن نضيف جديدا بقولنا أنّ الأمم المتحدة ظلّت على مرّ العقود السّبعة الماضية، مقصّرة في أداء مهامها، خاصة ما تعلّق بإقرار الأمن والسّلم الغائبين في العديد من مناطق العالم المغلوبة على أمرها، كبلاد العرب والمسلمين، بل وقد شهدنا حروبا وتدخّلات عسكرية كثيرة أُعلنت خارج أسوارها دون أن تحرّك ساكنا، كما سجّلنا صمتها المريب أمام العديد من التّجاوزات والخروقات التي تطال حقوق الانسان هنا وهناك، وفي مقدّمتها الحق في الحرية والاستقلال.
فماذا فعلت الأمم المتحدة للفلسطينيّين؟ وماذا قدّمت للصّحراويّين الذين ينتظرون منها تنفيذ التزاماتها وقراراتها بتنظيم استفتاء يقرّرون من خلاله تقرير مصيرهم؟
ماذا فعلت لأجل العراق الذي دكّه الاحتلال الأمريكي دكّا، ولسوريا واليمن ولشعوب كثيرة تعاني في صمت كالروهينغا المضطهدين بسبب انتمائهم الدّيني..؟
قد تكون الأمم المتحدة حقّقت بعض الانجازات، لكنّها للأسف الشّديد لا تقارن بكمّ الاخفاقات، ما يستدعي إصلاحا في العمق وليس مجرّد عملية تجميل تزيل التّجاعيد التي اكتست محيّاها.
المطلوب إعادة النّظر في آليات عمل المنظّمة الدولية وأجهزتها، وعلى رأسها مجلس الأمن، فما دام مصير العالم بين أيدي أصحاب
«الفيتو”، فالأمن والاستقرار سيظلاّن الرّقم الغائب على مساحات كبيرة من وجه الأرض.
لهذا على الذين يرافعون لأجل إصلاح الأمم المتحدة، أن يضعوا صوب أعينهم حتمية ألاّ تكون هذه الحاضنة العالمية رهينة أحد، بل أن تكون حرّة تعلو الجميع الكبار قبل الصّغار وأن تكون قراراتها فاعلة لا مفعول فيها تنفّذ في الميدان، ولا تبقى حبيسة أدراجها في مبناها الزّجاجي الفخم بنيويورك.