روس في المنطقة مرة أخرى

الشّرعية الدّولية أساس كل تسوية

جمال أوكيلي

عاد السيد كريستوفر روس، المبعوث الشّخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة بحثا عن حلّ سياسي يندرج في إطار ما أقرّته الشّرعية الدولية المطالبة بتقرير مصير هذا الشّعب الرّازخ تحت احتلال غاشم منذ مسيرة “العار” في ١٩٧٥.

حضور هذا المبعوث جاء ليذكّر الجميع بما فيهم المغرب، بأنّ القضية الصّحراوية من صلاحية الأمم المتحدة، بدليل وقوفه شخصيا على الملف من بلد إلى بلد، آملا في إيجاد آلية تسوية عادلة ودائمة، ولا يحقّ لأي طرف كان الادعاء بأنّه استولى على المسألة بقوة الحديد والنّار، وبشعارات سياسية واقتصادية لا أساس لها من الصّحة.
هذه الحقيقة لا يمكن الهروب منها أو التنصّل عنها أو حتى تعتيمها والتّحايل عليها، كون الاشراف الأممي قائم هنا ولا مناص منه، وهذا ما يبعث دائما الارتياح لدى الصّحراويّين بأنّهم ليسوا وحدهم يلقون كل الدّعم المعنوي من قبل هذا المنتظم الدولي.
والنّداءات السياسية الأخيرة للقادة الصّحراويّين لاقت صداها على المستوى الأممي عندما توجّهت إلى بان كيمون، دعته إلى التحرك بسرعة لإنعاش مسار التسوية في أقرب وقت، والاطلاع على الأوضاع التي أصبحت لا تطاق بفعل الممارسات اللاّإنسانية للقوة المحتلّة بالصّحراء الغربية، وكانت الاستجابة في حينها بإرسال روس إلى المنطقة ومتابعته الأوضاع عن كثب من خلال تواصله الواسع مع الأطراف المعنية.
ومهما حاول المغرب ومن يسير في فلكه فكّ الارتباط بين القضية الصّحراوية والأمم المتحدة، فإنّ قدوم روس يفنّد تفنيدا قاطعا هذا العمل الذي يقوم به هذا البلد مجدّدا مرة أخرى، والتّأكيد على أنّ المسألة الصّحراوية مسألة تصفية استعمار، ولن يسمح لأيّ كان إدراجها في أجندته من أجل أغراض دنيئة وحسابات ضيّقة وخرافات تاريخية مازال يتبجّج بها دون وجه حق.
مسعى روس نصنّفه في هذه الخانة ألا وهي الشّرعية الدولية، وعلى هذا المسؤول الأممي أن ينطلق من هذه القواعد الأساسية في عمله، وبخاصة أنّ الاقليم الصّحراوي يقبع تحت الاحتلال، وعليه فالمطلوب من القوة المحتلّة الانسحاب منه والرّحيل عنه، ومغادرته فورا دون نقاش أو شروط مسبقة تذكر، أما غير ذلك فإنّه مجرد “كلام عابر” لا أساس له، قد يدخل البعض في متاهات لا بداية ولا نهاية لها لاحظها الجميع فيما سبق، وهذا عندما تلاعبت أطراف بلوائح مجلس الأمن بإقحام فقرات أفسدت الجوهر كتنازل للمناوئين الرافضين توضيح الرؤية المستقبلية للقضية، لذلك اندهش المتتبّعون للتراجع الكبير في صياغة لائحة مبنية على تقرير روس استنادا إلى زيارته للمنطقة، واستماعه عن قرب لكل الانشغالات المطروحة، لذلك لا يعقل أن يتكرّر ذلك التّلاعب المفضوح باسم ولاءات وعلاقات معيّنة على حساب تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، خاصة من قبل فرنسا التي تريد في كل مرة وجهة مخالفة لما يقرّره مجلس الأمن.
نقول هذا الكلام من باب ما لاحظناه خلال السنة الماضية من ضغوط رهيبة على الملف الصّحراوي عندما شرع روس في أداء عمل بعيد كل البعد عن التدخلات من هنا وهناك، لكنه في نهاية المطاف لم يستطع تحمّل هذه “الأثقال” لتحلّ آلة دعاية البعض لإطلاق كل الأوصاف غير اللاّئقة على هذا الرجل، ومحاولة عزله أمميا ورفض التّعامل معه، واكب ذلك التّهديدات الصّادرة في تلك الفترة عندما كان الملف يقترب رويدا رويدا من الرّؤية الواضحة القائمة على مبدأ الشّرعية الدولية.
نأمل أن لا تتكرّر مثل هذه الممارسات الخطيرة والمنافية لحدّ أدنى من التّعاملات المتعارف عليها في العمل السياسي، لأنّه لا يمكن أن تبقى القضية الصّحراوية تراوح مكانها إلى الأبد أو تستمر رهينة في أيدي المحتلّين، الذين يتلاعبون بها كما يشاؤون. هذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، يستحيل مواصلة السّير عليه خاصة من لدن الأحرار في الأمم المتحدة.
هذا المسار السياسي الجديد أو في طبعته الأخرى، أسقط القناع على المناورات المغربية الفاشلة،وهذا عن طريق الموقف السويدي الذي أحدث هزّة قوية في ذلك البلد باعتراف بن كيران في حديثه للتلفزيون الألماني “دوتش فيللي”، على أنّ السويد أعاد القضية الصّحراوية إلى نقطة انطلاقها، وما يفهم من هذا الكلام أنّ المسألة الصّحراوية تتعلّق بتصفية الاستعمار.
والجهة الموجودة في الصّحراء الغربية هي قوة احتلال، هذا ما يدعو باقي البلدان في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النّظر في مواقفها تجاه القضية وفق الطّرح السويدي العادل والمنطقي، وهذا ما يخاف منه المغرب في غضون المواعيد القادمة، بالاضافة إلى الموقف الأوروبي على لسان “موغريني” التي تعهّدت بعدم إضعاف مسار التّسوية الأممية للقضية الصّحراوية.
هذه المؤشّرات السياسية تدلّ دلالة واضحة على أنّ المرحلة القادمة لن تكون سهلة على المغرب، لقد ولّى ذلك العهد الذي كان يملي فيه ادّعاءاته على الآخرين بكل الوسائل المادية المتاحة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024