أربع سنوات من الفوضى والدّمار

السّلام الخيار الحتمي في ليبيا

س ــ ناصر

بدأت آمال أغلبية اللّيبيّين تتبخّر في تحوّل بلدهم من نظام الحكم المطلق الذي ساد طيلة 42 سنة إلى الديمقراطية بعد أربع سنوات من الإطاحة به، حيث أنّه لم يتم التحكم في مقدرات البلاد الغنية، التي يفترض أن تكون قبلة للسياح وتشجيع الشركات على الاستثمار، فإذا بها وبدلا من ذلك اكتست شواطئها بدماء جرائم تنظيم “داعش” الارهابي، وأصبحت ليبيا معبرا لقوارب الموت باتجاه أوروبا.

توقّف إنتاج النفط وتصديره، وباتت البلاد مهدّدة بالانقسام بين الشرق والغرب والساحل والجنوب، وذلك مع انعدام الأمن وسيطرة السلاح. باتت الفوضى تهدّد حياة اللّيبيين ومستقبلهم بعد أن أنهكتهم وأصبحوا يخشون تحوّل بلدهم إلى السيناريو الصومالي أو العراقي أو الأفغاني، وتشتدّ الصّراعات الجهوية والايديولوجية والقبلية لتصبح أكثر وطأة على اللّيبيّين من القبضة الأمنية للنظام السابق، ما دفع بالكثير للترحم عليه لأنّ البديل الحالي هو الفوضى وانعدام النّظام بينما رافق حقبة القذافي الأمن والسكينة.
تدمّرت البنى التّحتية في طرابلس وبنغازي ومعظم مدن الساحل، وأصبح يحكم ليبيا برلمانان وحكومتان، واشتد الصّراع بين الجيش والميليشيات، والكل يحارب لأجل فرض سيطرته على الوضع، كما أنّ الجنوب هو الآخر تحول لمسرح صراعات قبلية لأجل السيطرة على التهريب في الصحراء.
وشعر اللّيبيون أنّ العالم خذلهم لا سيما الغرب، الذي لم يلتزم بوعوده لمساعدتهم في إعادة بناء بلدهم أو على الأقل توقيف الدمار الذي يلحق بهم دون توقف أو دعم حكومة مركزية لتوقيفه.
ويبقى التحدي الأكبر بعد أربع سنوات المحافظة على بنيان الدولة، وطيّ صفحة الانتقام والتقسيم بين مؤيّدين للنظام السابق ومعارضين له، وبين القبائل والمناطق الجهوية، وقبل هذا وذاك لا بد من وضع حد لفوضى السلاح لفتح باب الحوار، وإيجاد الحلول السياسية الضامنة لحقوق كل الليبيين على حد سواء دون هيمنة ودون تهميش أو إقصاء.
حكومة وفاق بداية الانفراج
ويتّضح من خلال تتبع الوضع الليبي أنّ الأزمة تتجه نحو مزيد من التعقيد والتصعيد، لاسيما بعد إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا “بيرناردينو ليون” عن مقترح تشكيل حكومة وفاق وطني لاقى انتقادا داخليا حادا وواسعا، ما دفع ببعض الأطراف بشرق البلاد إلى التلويح بالدعوة لتقسيم ليبيا في حال عدم إنصافهم والاستجابة لمطالبهم، حيث احتشد يوم الجمعة الأخير مئات المتظاهرين احتجاجا على المقترحات التي أعلنها المبعوث الأممي بشأن تشكيل مجلس رئاسة حكومة الوفاق وتسمية بعض الشخصيات لمناصب سيادية، وقد قصفت المظاهرة بساحة الكيش بمدينة بنغازي قتل خلالها وأصيب العشرات، وأعلن الحداد ببلديات المنطقة الشرقية لمدة ثلاثة أيام.
لم يتمكّن الليبيون حتى الآن من إنهاء الصراع على السلطة، وتحقيق الأمن والاستقرار، ودخلت البلاد في فوضى يمكن أن تتواصل لعقود، ولم تأت الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي الصراع، كونها غير قادرة على طرح رؤية واضحة لحل سياسي يمكن تنفيذه، حيث اكتفى مجلس الأمن بإصدار بيان يلوح فيه بفرض عقوبات على أولئك الذين يهددون سلام ليبيا واستقرارها.
على الليبيين أن يدركوا أن ليبيا بحاجة إلى كل أبنائها لبنائها قبل غيرهم من الجهات الخارجية إقليمية أو دولية، ويجب أن تقبل الأطراف المتصارعة بحكومة وحدة وطنية تبني مؤسسات قادرة على مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومحاربة الجماعات المتطرفة التي وجدت في الفوضى الليبية موطأ قدم لها، ومن بينها تنظيم “داعش” الذي يسيطر منذ أشهر على مدينة “سرت”، وقد أعدم مؤخرا 20 مدنيا.
أما مسألة التعنت وتشب،ث كل طرف بمواقفه الصّلبة، فلن يخدم ليبيا أو أي جهة داخلية بل يزيد الوضع سوءًا، ولذلك لابد من التنازلات من كل الليبيين كي يكون التكامل الذي يخرج ليبيا من مأزقها إلى برّ الأمان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024