كان لفشل عصبة الأمم أثره في دفع الدول خاصة الكبرى منها والتي خاضت الحرب ضد القوانين النازية والفاشية ـ بزعامتي هتلر وموسوليني ـ إلى محاولة إقامة منتظم دولي جديد يمكنه أن يتفادى عيوب ونقاط ضعف التجرية السابقة وهذا هو الأساس في إقامة منظمة الأمم المتحدة، غير أن هذه التجربة كسابقتها فشلت في إقامة السلم والأمن في العديد من بؤر التوتر والصراعات الدموية ولذلك وجب إصلاحها.
فقد تناول ميثاق الأمم المتحدة مبادىء وأهداف المنظمة والتي يتمثل أهمها في:
ـ حفظ السلم والأمن الدوليين والذي ورد في الفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاقها.
ـ اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها وتنمية العلاقات الودية بين الدول.
ـ تحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية.
إلا أن هناك صعوبات اعترضت تحقيق أهداف وعمل الأمم المتحدة النبيل بالرغم من الإنجازات المحققة، حيث تم إنشاء قوة طوارئ في أزمة السويس عام ١٩٥٦ كما تمّ التوقيع على معاهدة حظر إجراء تجارب نووية في الجو تحت الماء في موسكو عام ١٩٦٣، وفي مجال تصفية الإستعمار ومجال حقوق الإنسان وحققت انجازات في مختلف الميادين، إلا أنها تعرّضت لصعوبات كثيرة وصل بعضها إلى درجة حرجة كادت أن تؤدي بها أهمّها:
ـ المشكلات المالية حيث تضطر المنظمة لحفظ عمليات السلام إنشاء قوات طورارىء تقوم بتحمل نفقاتها، ما يؤثر على ميزانيتها مع رفض بعض الدول دفع نصيبها في نفقات عمل تلك القوات. من بين هذه الدول الاتحاد السوفياتي سابقا، الذي ظلّ لسنوات يرفض دفع المستحقات بحجة أن تولّى الجمعية العامة تشكيل تلك القوات عمل غير قانوني لأنها كما يقول من اختصاص مجلس الأمن، قائلا إن الدول المتسببة في النزاعات هي التي تجب أن تدفع وإلا يعتبر تشجيع للمتعدي.
كما أن فرنسا وبلجيكا وجنوب افريقيا امتنعت عن دفع مستحقاتها المالية في وقت سابق ولكل أسبابها وهذا يجعل من الصعب على المنظمة أن تستمر بفعالية.
ـ المشكلات الناتجة عن عدم وجود تعريف محدد ودقيق وشامل للعدوان كالتخريب السياسي والعقائدي والضغط النفس بواسطة الحرب الدعائية وتحريض بعض الحركات الداخلية الثائرة أو المتمردة وقد يتجاوز هذا إلى درجة تمويلها أو تسليحها مثلما يحدث اليوم في سوريا وليبيا والعراق واليمن وكانت لجنة تتكون من ٣٥ دولة قد أسندت إليها مهمة وضع تعريف محدد للعدوان وعرضت نتائجها على الجمعية العامة الأممية سنة ١٩٧٤. وقد عرّفت العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة بواسطة دولة ضد السيادة الوطنية أو السلامة الإقليمية أو الإستقلال السياسي لدولة أخرى، المبادرة باستخدام القوة المسلحة من جانب إحدى الدول لا يجوز الإلتجاء إلى اعذار سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها.
ـ المشكلات المتعلقة باتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية حيث أن الدول المنشئة للمنظمة لم يتعد الخمسين دولة اثناء التأسيس، بينما أصبح اليوم قرابة المائتين (مؤسسين ومنظمين) أين كان أغلبية الدول النامية مستعمرة أو تحت الوصاية أو الإنتداب.
ـ الأمم المتحدة ما زالت بعيدة عن كونها سلطة عالمية ترتفع فوق السيادة القومية وهو ما يجعل الدول تخرج عن قراراتها مثلما تفعل اسرائيل دائما، حيث لا توجد قوة إلزمية تجبر هذه الدولة أو تلك على تنفيذ قرار ما.
ـ عدم التجانس في الاتجاهات السياسية للدول الأعضاء غربية وشرقية.
ـ عدم إتاحة الفرصة للدول الصغرى التمثيل بشكل مؤثر وفعال في الهيئات والهياكل الأممية.
ـ عدم وجود قوة دولية دائمة تحت تصرف مجلس الأمن يجعل القرارات الأممية مجرد توصيات.
إن تصحيح هذه الثغرات يتطلب مراجعة ميثاق الأمم المتحدة الذي أنشئ قبل ٧٠ سنة، لأن الظروف في ذلك الوقت تختلف عن ظروف اليوم، كما أن التصحيح لا يكون دون موافقة أصحاب الفيتو الذين يرون في الإصلاح تقليص لصلاحياتهم ونفوذهم.