سنة على شغور منصب رئيس الجمهورية في لبنان

مجلس النواب يؤجّل عملية الانتخاب للمرّة الـ 23 على التّوالي

جمال أوكيلي

أولوية حزب الله ملاحقة الجماعات المسلّحة

قرابة سنة بالتّمام والكمال على مغادرة السيد ميشال سليمان القصر الرّئاسي في بعبدا عقب انتهاء عهدته القانونية، رافضا أي تمديد ومطالبا بإيجاد البديل الذي يليق بالبلد في أقرب وقت نظرا للضّغوط والمناورات والحسابات التي وقف عليها خلال ممارسة مهامه.

خرج سليمان عن قناعة عميقة دون عودة، وصرّح بذلك علنا على أنّ يوم ٢٥ ماي سيكون تاريخ ذهابه، وعلى الجميع من الآن فصاعدا البحث عمّن يعوّضه في أقرب وقت، وبالسّرعة المطلوبة للسّير الحسن لأداء المؤسّسات والحفاظ على الأمن العام، وللأسف بعد ١٢ شهرا لم يتغيّر أي شيء، بل تعقّدت الأمور إلى درجة لا تطاق في الوقت الرّاهن.
وسير دواليب الدولة بالحكمة والتعقل انطلاقا من مراعاة مصالح لبنان، كالسّعي لإحداث تفاهمات ضمنية حول قواسم سياسية معيّنة تتطلّب من “الفرقاء” على الأقل احترامها ريثما يتمّ التوصل إلى الحلول النّهائية المرغوبة.
ولبنان الآن في عملية تأجيل رقم ٢٣ في عملية انتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم توفّر النّصاب القانوني، مع تسجيل مقاطعة كتلتي “الوفاء  للمقاومة ”و”الإصلاح والتّغيير”، وتزايد التّصريحات النّارية من هنا وهناك. كل هذا أدّى إلى التّعطيل
الملاحظ اليوم، وبقاء الأوضاع جامدة إلى أجل غير مسمّى، وبالرغم من ذلك فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري حدّد يوم ٣ جوان القادم لمحاولة أخرى.
وكل المؤشّرات في لبنان توحي بأنّ منصب رئيس الجمهورية سيبقى شاغرا لمواعيد أخرى لأنّه ليس هناك أي مسعى قائم في هذا الشّأن على المستوى السياسي، ونقصد بذلك التّقريب بين وجهات النّظر بين التيارين (٨ و١٤ آذار). كل ما في الأمر أنّ بري يمارس مهامه ذات الطّابع التّقني التي تستدعي النواب من أجل النّقطة المسجّلة في جدول الأعمال، وهي الوحيدة المتعلّقة برئيس الجمهورية لكن الحضور يقتصر على ٨٦ نائبا من ضمن ١٢٨ نائب، هذا التّباعد لم يسمح طيلة سنة من الوصول إلى هذا المبتغى.
وفي هذا الإطار، فإنّ الإجماع ما زال بعيدا تجاه شخصية معيّنة، لكن تصريح العماد ميشال سليمان يوم ١٨ أفريل المنصرم لم يحرّك أحدا بعد أن أبدى قبوله بإعادة الترشح للرّئاسة كشخص توافقي فقط، مضيفا أنّه ترك الرّئاسة ليؤكّد بأنّ الدّستور أهمّ من الأشخاص، وهو غير نادم على قراره، وأن التمرد ليس صفة شجاعة، ومنذ ٤٠ سنة لم يشهد لبنان انتخابات رئاسية طبيعية، وعلى الجميع الموافقة على اتفاق بعبدا.
وشدّد السيد ميشال عون على ضرورة حل أزمة الفراغ الرّئاسي في لبنان، مقترحا ٤ مقاربات كاعتماد الإنتخابات الرّئاسية من الشعب مباشرة على مرحلتين الأولى مسيحية والثانية وطنية، أو تنظيم استفتاء شعبي ومن ينتخبه الشّعب للرّئاسة ينتخبه المجلس النّيابي، أو انتخاب مجلس النواب للرئيس من بين القيادات المسيحية الأكثر تمثيلا، وأخيرا انتخاب المجلس النيابي قبل انتخاب رئيس لجمهورية.
ما يستشف شكليا من هذين التّصريحين، أنّ النّقاش حول منصب رئيس الجمهورية في لبنان يعتبر ضعيفا، ويفهم من ذلك أنّ هناك أولويات أكبر من ذلك الإنشغال، يتّضح في رفع سقف العمل السياسي والأمني لحزب الله الذي دخل مسؤولوه في متاهات أخرى أغرقت البلد في مواقف معقدة جدّا، وهذا عندما جرّ لبنان إلى حروب أخرى غير معني بها بتاتا، بتغيير جبهات القتال من جنوب لبنان إلى سوريا، ومن مقارعة الجيش الإسرائيلي إلى الصّراع مع جماعات مسلّحة بكل مسمياتها يعتبرها عدوة له.
هذه الحالة الصّعبة أو وجود قيادة هذا التّنظيم في حالة حرب منعها من إيلاء العناية للشّأن الداخلي، ممّا أضرّ بالكثير من مصالح هذا البلد داخليا وخارجيا، خاصة عمل حكومة سلام تمام التي تطالب بملء الفراغ الرئاسي في أقرب وقت لكن لا حياة لمن تنادي، وما تزال دار لقمان على حالها، ويتّضح من هنا بأنّ انتخاب رئيس جمهورية في لبنان مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى الحسم في النّزاع السّوري، ولا يعقل أن يعود حزب الله إلى السّياسة وهو يقاتل على حدوده وبداخل سوريا. هذا أمر مستبعد يستحيل العودة إلى هذه الممارسة من دون تحقيق فوز معين على الأقل لرفعه كورقة على صعيد المشهد اللّبناني.
لكن الأوضاع في الميدان في القلمون وجرود عرسال المتخامتين للبنان معقّدة جدا، وقد استبق عسكريو حزب الله الأحداث وهذا بعدم ترك المبادرة للمسلّحين في مزيد من الإبتزاز والخطف، وهذا بطردهم إلى أعماق البلد المجاور واستعادة منهم مساحات كانت بحوزتهم فيما سبق، وهذا حتى لا يعود ثانية إلى تلك الأماكن الإستراتيجية المطلّة على قرى لبنان. واعتبر نصر الله أنّ ما يجري سيكون مفتوحا في الزّمان والمكان وفي الآفاق القادمة، وهذا يعني أن المعركة طويلة لا تنتهي غدا، وهذا عندما تمّ فتح جبهة أخرى حسّاسة كثيرا وشائكة في آن واحد نظرا لغياب الرؤية في مثل هذه الحالات، وحزب الله يدرك بأنّ طرد المسلّحين من مكان ما لا يعني الانتصار أبدا، وإنما يريد التأكيد بأنّه اختار موقعه في صراع مصيري يدرجه ضمن حسابات أخرى بالمفهوم الواسع لما يجري في المنطقة، لذلك فهو يسير وضعا لا غالب ولا مغلوب فيه، وإنما التّقليل من أذى هذه الجماعات ومنعها من الذّهاب بعيدا في أطماعها في إسقاط الأنظمة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024