مدّت يدها إلى هافانا واعتبرت فنزويلا تهديدا محتملا

هل تنجح واشنطن في شقّ الصفوف بأمريكا اللاتينية؟

أمين بلعمري

التقارب الأمريكي - الكوبي يحمل أكثر من مجرد استعادة علاقات دبلوماسية بين دولتين انقطعت بينهما منذ نصف قرن كامل، وهذا بمجرد قيام الثورة الشيوعية الكوبية التي جاءت بعكس ما تشتهيه الإدارة الأمريكية التي أزعجها كثيرا قيام نظام موالي للاتحاد السوفياتي على حدودها، ومنذ تلك اللحظة لم تدخّر واشنطن أي جهد في الإطاحة بالنظام الكوبي الموالي للكريملن وأحد أكبر الأوراق الرابحة خلال الحرب الباردة التي كادت أن تشتعل في شكل حرب نووية من كوبا إثر أزمة الصواريخ الشهيرة.

إن كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كان لديها نفس الإدراك فيما يخص اعتبار كوبا كشوكة في حلق واشنطن يجب إزالتها بكل الطرق والوسائل، لذا اختلفت سياسات الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض في التعاطي مع الملف الكوبي، حيث تراوحت هذه السياسات بين التلويح بالعصا أحيانا والاغراء بالجزرة مرات أخرى، ولكن لا هذه ولا تلك آتت أكلها وحققت لصناع القرار والسياسات في واشنطن الخطط المرسومة لتحويل كوبا من خصم ايديولوجي عنيد ومصدر لتهديد الأمن القومي الأمريكي إلى وسيلة طيعة في يدها لخدمة طموحاتها الإمبراطورية الرامية إلى السيطرة على دواليب السياسة والاقتصاد في العالم وفي امريكا اللاتينية - صيدها المحمي - تحديدا التي لا تريد أن تراها خارج فلكها.
لقد اعتقد صنّاع القرار في البيت الأبيض أن سقوط جدار برلين وتهاوي الإيديولوجية الشيوعية الذي جاء كنتيجة حتمية لانهيار الاتحاد السوفياتي وفقدان كوبا لحوالي 10 مليارات من الدولارات - كان يقدمها الاتحاد السوفياتي سابقا لهافنا سنويا - إنها الفرصة المواتية لترويض نظام كاسترو وإدخال كوبا أخيرا إلى بيت الطاعة الأمريكي، إلا أن الرياح لم تجرّ في هذا الاتجاه وصمدت كوبا وظلت وفية لخطها الشيوعي الثوري المناهض للامبريالية في الوقت الذي هرولت فيه الكثير من الأنظمة التي كانت تدوس العلم الأمريكي بالإقدام ونفذت الاملاءات الأمريكية وزادت على ذلك حتى لا تثير غضب إمبراطورية العم سام التي تفرّدت بتحديد مصير الشعوب والدول ورسمت محاور الشر والخير ودشنّت عهدها الجديد بغزو العراق، وهي العملية التي كانت أكبر محك للهيمنة الأمريكية على العالم التي تأكدت بعد أن اصطف قادة العالم كرجل واحد خلف جورج بوش الأب الذي بشر بميلاد نظام دولي جديد ليس فيه معارض للديمقراطية الأمريكية التي جاءت على ظهور الدبابات وانتهت باحتلال العراق وكانت الحصيلة ثقيلة، فقد قتل ما يزيد عن مليون عراقي وأضعاف ذلك العدد من النازحين والمشردين، هذا كله وسط اشتعال فتنة طائفية ومذهبية أصبح القتل فيها على الهوية خبزا يوميا في بلاد الرافدين وفي غيرها من الدول العربية التي تدور حروب الجيل الرابع و تنفذ فيها برامج التدمير الذاتي التي بدأت فعلا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ...الخ  
إن واشنطن تدرك جيدا أن هذا الحلم الأمريكي الجامح لا يتحقّق إلا بإزالة كل العقبات والعراقيل وكل الخصوم المحتملة لسياستها وخاصة في أمريكا اللاتينية التي كانت دائما ولا تزال تقع ضمن معادلات الامتداد والنفوذ الأمريكي، لهذا عملت على إجهاض كل المحاولات الرامية إلى  تملص دول هذه القارة من سيطرتها وعدم السماح بنشوء أية محاور يمكنها أن تعطي لهذه الدول هامشا أكبر من الاستقلالية عن واشنطن على غرار محور هافانا- كراكاس ـ ليما ـ البرازيل الذي بدأ بمشاريع  تكامل طاقوية طموحة يمكنها أن تشكل النواة الأولى لقيام اتحاد أمريكي لاتيني - على شاكلة الاتحاد الأوربي - قد يخلط كل الأوراق ولهذا لا يمكن إدراج التقارب الأمريكي الكوبي كفرصة - ستستغلها هافانا بكل تأكيد إلى أبعد الحدود - إلا ضمن إستراتيجية جديدة تبناها البيت الأبيض لشقّ صف التحالفات المناهضة لسياسته وإلا كيف نفسّر سياسة الردع القاسية التي أبداها أوباما اتجاه فنزويلا إلى درجة أنه وقّع مرسوما شهر مارس الماضي يعتبر فيه كراكاس مصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي وتمّ بموجبه فرض عقوبات على مسؤولين فنزوليين، بينما وعلى النقيض من ذلك تماما أبدى سياسة مغايرة مع كوبا والتقى وصافح رئيسها راؤول كاسترو بمناسبة انعقاد قمة الأمريكيتين نهاية أفريل.  
هكذا هي السياسة لا تدوم معها لا صداقة ولا عداء والمصلحة في حسابات الدول تطغى على كل الاعتبارات الأخرى ويبقى التساؤل التالي قائما في الأخير وهو: هل ينجح أوباما فيما فشلت فيه الإدارات الأمريكية السابقة؟.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024