تشهد العديد من بقاع العالم اضطرابات وتوتّرات نتيجة الأعمال الارهابية التي تمارس سواء من الداخل أو الخارج، مرة باسم الديمقراطية وإحداث التّغيير للقضاء على الأنظمة الاستبدادية، ومرّة باسم الدفاع عن الحريات وتطوير الاقتصاد، والنّهوض بالبلد إلى مصاف الدول المتطوّرة، وفي كل الحالات الضّحايا بالآلاف، ووضع تلك البلدان التي عرفت توتّرات لم تصبح أحسن ممّا كانت عليه من قبل.
الدول التي تعرّضت للإرهاب ومنها الدول العربية، واجهته بشتّى الطّرق لاسيما من قبل المتضرّرين وبجدية، لكن هناك من يريد الاستثمار فيه بالاستعراض والادّعاء بمحاربته، وهي صفة يتّصف بها المنافقون حيث يظهرون ما لا يبطنون، ومنهم الغرب الذي يدّعي محاربة الارهاب وحشد ما أمكن من أجل ذلك، بينما هو الذي اعتمده أداة لتنفيذ مشروعه التسلطي، ويدّعي بأنّه يعمل من أجل إنقاذ العالم من شرور الجماعات والتّنظيمات الارهابية التي ما كانت إلاّ منتجات له، فالغرب تدخّل في العراق الذي كان مستقرّا واستعمر ٨ سنوات، ومازال إلى اليوم يعاني من الارهاب، كما أنّ ليبيا هي الأخرى تعرّضت لتدخل الناتو الذي تركها تعاني من الأعمال الارهابية إلى اليوم، كما أنّ سوريا هي الأخرى تعاني منذ أربع سنوات من الأعمال الارهابية التي شارك فيها إرهابيون من ٨٠ دولة.
وها هو رئيس المخابرات البريطانية يجاهر بالقول بأنّ الغرب كان مذنبا عندما دعّم المنظّمات الارهابية واحتضنها، وكان عليه أن يتعاون مع سوريا من أجل القضاء على الارهاب. وكانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السّابقة والمرشّحة للرئاسيات الأمريكية القادمة، جاهرت هي الأخرى بأنّ أمريكا اخترعت “القاعدة” و«داعش”، وأناطت بها مهام تخدم المصالح الأمريكية، وبذلك يتكامل الموقفان الغربيان الأمريكي البريطاني مع الواقع، ويتناقض طبعا مع الادّعاء الغربي اليوم حول السّعي لمحاربة الارهاب. وهنا يطرح السّؤال حول حقيقة الموقف الغربي وجديّته في إنشاء تحالف دولي لمحاربة الارهاب، خاصة وأنّ سلوكياته الرّاهنة تناقض ادّعاءاته.
فقد قرّرت أمريكا في موقف أخير للكونغرس تدريب وتسليح وتمويل ما أسمته “المعارضة المعتدلة” في سوريا بعد فتح دول جوار أراضيها لإقامة معسكرات تدريب تستوعب في المرحلة الأولى حوالي خمسة آلاف إرهابي، يدرّبون على يد ضبّاط أمريكيّين لإعدادهم للقتال في سوريا ضد جيشها وشعبها وسلطاتها الشّرعية، ويعلّقون بضرورة تغيير نظام دمشق في تدخّل سافر في شؤون سوريا الداخلية، فالحقيقة أنّ من ينخرط في عملية دعم المسلّحين في بلاد الشّام إنما يدعّم الارهاب وفقا لما تنصّ عليه قواعد القانون الدولي، لأنّ سوريا دولة ذات سيادة ولها حكومتها الشّرعية، وهي عضو في الأمم المتّحدة وكل الهيئات الدولية، ولها سفراء في معظم دول العالم. وهنا نتساءل كيف يوفّق من يدّعي محاربة الارهاب وبين سلوكه الفعلي في تنشئة الارهابيّين ودعمهم؟ أكثر من هذا أنّ التّحالف ضد التّنظيم الارهابي “داعش” لا ينسّق مع الجيش السّوري رغم أنّه يعلم أن التّنسيق لو حصل لكان من شأنه تخفيف المعاناة والاسراع في تحقيق انتصارات في الحرب على الارهاب بحسب الخبراء العسكريين، إنّ سلوكيات التّحالف الدولي لمحاربة “داعش” وإرهابها سلوكيات تؤكّد أنّ مواقف تلك المكوّنات ما هي إلا استعراض يريد منه أصحابه الوصول إلى أهداف مخفية تشكّل حلقات أخرى من سلسلة الاستثمار الغربي في الارهاب، مادام مصرّا على نهجه الاستعماري الهادف إلى مصادرة قرارات الشّعوب وثرواتها.
إنّ تظاهر الغرب اليوم بالسّعي إلى الحرب على الارهاب هو نفاق واضح يبتغي أصحابه خداع الضّحايا والمتضرّرين بالارهاب، وحثّهم على الاسترخاء بما يمكّن الارهابيين من تنفيذ المزيد من الجرائم، وتحقيق أهداف الغرب في الميدان، لكن شعوب المنطقة التي تكتوي بنار الارهاب اليوم تعرف أنّها هي الضحية، وأنّ العبء في المواجهة الرّئيسية يقع عليها، ولهذا نراها تتصدّى للارهاب بكل قوة.
ويمكننا القول أنّه يوجد مجموعتان “كتلة متضرّرين من الارهاب”، و«فريق رعاته والمستثمرين فيه”، الأولى تواجهه بكل جدية وفق الوسائل المتاحة، والثانية تدّعي زورا وبهتانا مواجهته، وتقوم بحرب إعلامية استعراضية لحجب المناورات الخادعة، وهذا ما يعني استبعاد أي لقاء جدي بين الفريقين، لأنّ الخلاف واضح بين من يريد اجتثاثه من جذوره، وإنقاذ البلاد والعباد من شروره وآثامه، وبين من يستثمر فيه ويمكّنه من نشر سوئه وفساده.
إنّ المتضرّرين من الارهاب الغربي ملزمون بمواصلة حربهم القاسية ضده، دون الاتّكال على الآخرين وتحالفاتهم المزيّفة.