يبدو أن جمهورية أفريقيا الوسطى تسير بخطى ثابتة وبخطوات حاسمة نحو استعادة الأمن والاستقرار والتخلص من إرهاصات الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بها مند سنتين.
لقد أدركت هذه الجمهورية التي استيقظت في مارس 2013، على وقع انقلاب عسكري أشعل نيران الفتنة والاقتتال الطائفي، أن طريق الخلاص يمرّ حتما عبر مصالحة وطنية تهدّئ الأنفس وترسّخ ثقافة السلام والتسامح وتعيد التعايش بين أبناء الشعب الواحد باختلاف انتمائهم الديني والطائفي والعرقي.
ولتحقيق هذا المبتغى، تحتضن العاصمة بانغي في الفترة الممتدة من 4 إلى 11 ماي “منتدى المصالحة الوطنية في جمهورية أفريقيا الوسطى” المقرر أن يجمع كافة قوى الأمة تحت هدف واحد وهو إيجاد تسوية نهائية للأزمة، ما يسمح لهذه المستعمرة الفرنسية بالالتفات إلى مواجهة تحدياتها الاقتصادية ومشاكلها الاجتماعية وفي مقدمتها عودة النازحين واللاجئين الذين شرّدهم الاقتتال الطائفي وباتوا يعيشون ظروفا مأساوية.
وتفيد إحصائيات الأمم المتحدة أن قرابة 440 ألف شخص ما يزالون نازحين داخل البلاد، بينما عبر حوالي 190 ألف شخص الحدود في حين يبقى زهاء 36 ألف شخص عالقين داخل هذا البلد المغلق في سعيهم للجوء إلى بلدان مجاورة.
ومن جانبها كشفت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) مؤخرا أن حوالي 5ر1 مليون شخص في جمهورية إفريقيا الوسطى لا يزالون يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سياق الأعمال العدائية التي تشهدها البلاد.
ولضمان نجاح “منتدى المصالحة” هذا الامتحان المصيري الذي يرعاه الرئيس الكونغولي دنيس ساسونغيسو باعتباره يقود الوساطة الدولية لحل أزمة جمهورية افريقيا الوسطى، لا يستبعد المراقبون السياسيون مشاركة ممثلين عن المتحاربين السابقين تحالف (سليكا) وحركة (أنتيبلاكا) أي مناهضة السواطير.
في الواقع إن الخطوة التي تعتزم الرئيسة المؤقتة بجمهورية أفريقيا الوسطى السيدة كاترين سامبا بانزا القيام بها الأسبوع القادم،ستكون مفصلية ومصيرية لوضع قطار الأمن والاستقرار على السكة،خاصة وأن التدخل العسكري الفرنسي وإن كان قد أطفأ اللّهب الأكبر فإنه عجز عن إطفاء جمرات العنف الطائفي التي ظلت مشتعلة ولن يخمدها غير وفاق وطني يمرّ عبر حوار يجمع الإخوة الفرقاء الذين عليهم أن يدركوا بأن العنف لا يحلّ المشاكل بل يضاعفها، وهي فعلا تضاعفت خلال السنتين الماضيتين.
ولنجاح هذا المسعى من المهم مرافقته دوليا حتى يتم الانتقال نحو المراحل المتبقية من المرحلة الانتقالية وتتويجها بتنظيم انتخابات ذات مصداقية..
ومن الضروري أن لا تنحصر المرافقة الدولية على الدعم السياسي فقط لأن جمهورية أفريقيا الوسطى بحاجة ماسة إلى المساعدة المالية التي يتوقف عليها توفير الظروف المواتية لعودة اللاجئين والنازحين واستكمال العملية الانتخابية في حينها وتحقيق التنمية المستدامة.
معالم طريق الخلاص تحدّدت في جمهورية أفريقيا الوسطى، وعلى جميع الأطراف الفاعلة هناك أن تنخرط بصدق ومصداقية في منتدى المصالحة، فتقدّم التنازلات اللازمة لوقف تدفّق الدماء وصيانة وحدة الشعب باختلاف انتمائه الديني، والتطلع إلى بناء المستقبل في بلاد تسع جميع أبنائها.————