أثار تصريح الرّئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص تحمّله المسؤولية الكاملة لمقتل الرّهينتين الغربيتين إثر العملية العسكرية التي نفّذتها القوات الأمريكية خلال شهر يناير ضد تنظيم القاعدة على الحدود الباكستانية الأفغانية، انتباه المتتبّعين الذين لم يتعوّدوا على مثل هذه الخرجات السياسية لأوباما في مثل هذه الأعمال المصنّفة في خانة “سري جدا”، بدليل أنّ الاعلان عنها جاء بعد ٤ أشهر كاملة، متسائلين عن الاجراءات العاجلة التي سيتّخذها الرّئيس الأمريكي جراء تداعيات هذا الفشل الذي هزّ الدوائر الاستخباراتية الأمريكية مقارنة بعملية ملاحقة بن لادن وتصفيته في مقر سكناه بعد أن أوصلهم طبيبه إليه.
وفي هذا السّياق، لم يتوقّف أوباما عند هذا الحد بل بعث برسالة واضحة المعالم، مفادها “سنفكّر في الدّروس المستخلصة من هذه المأساة” و«التّغييرات التي سنقوم بها”، مؤكّدا على فتح تحقيق لتحديد ملابسات الحادث، كما أنّ نتائج التّحقيق ستنشر لاحقا.
وفي خضم سيرورة ما ورد على لسان أوباما، أصدر هذا الأخير أوامر خاصة بمراجعة غارات الطّائرات الأمريكية بدون طيار في باكستان. وفي نفس هذا التوجه قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، أنّ مصرع الرّهينتين الأمريكي والايطالي يثير تساؤلات مشروعة، حاول ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء تعديلات في استخدام الطّائرات بدون طيار في عمليات ملاحقة الارهابيّين، وإن بدا هذا السّؤال كبيرا يصعب العثور على الجواب في حينه، وهذا لعدّة اعتبارات خاصة أمنية وعسكرية، فإنّ أولى مؤشّرات هذا القلق الأمريكي المتزايد نتيجة ارتفاع عدد ضحايا القصف، والذي خلّف خسائر لا تحصى في الأرواح. هذا ما أحدث تحفّظا لدى القيادة السياسية في الولايات المتحدة، والشّروع في طرح الموضوع على الدراسة والبحث والنّقاش المعمق للفرز بين الخيارات المراد اتّباعها في المراحل القادمة.
ولابد هنا من الحديث عن عنصر مهم جدّا، ألا وهو العمل على إنشاء فريق متعدّد الأطراف لمعالجة قضايا الرّهائن الأمريكيّين المحتجزين بالخارج يسمّى “خلية الاندماج”، يتشكّل من مسؤولين من مكتب التّحقيقات الفيدرالي، ووزارة الدّفاع وأجهزة الاستعلامات للتّواصل مع عائلات الرّهائن، والعمل على إطلاق سراحهم.
ولابد من الاشارة هنا إلى أنّ الرّهينة الأمريكية وارين وينشتين يعمل في بعثة إنسانية اختطف من قبل القاعدة في ١٣ أوت ٢٠١١ بباكستان بمنزله بلاهور، كما سجّل اختفاء الرّهينة الايطالية جيوفاني لوبورتوك بباكستان سنة ٢٠١٢.
ولم يذكر الرّئيس أوباما أنّ هناك خطأ مرتكبا، وهو بذلك يتجاوز التّشخيص باتجاه البحث عن الحلول المأمولة، مستعملا كلمات مفاتيح منها “الدّروس المستخلصة”، “التّغيرات”، “فتح تحقيق” و«الملابسات”. كل هذه المصطلحات تبين مدى الشّعور بعمق بالاختلالات الموجودة في الكيفية المتّبعة حاليا فيما يخص مكافحة الجماعات الارهابية وضرب إوكارها، لذلك فإنّ الصّيغة المقترحة سميت بـ “خلية الاندماج”، وهذا نشاط تحسيسي ليس له علاقة بالجانب الأمني الذي لم يقرّر وضع حدّ للغارات الجوية ضد هذه التّنظيمات في المناطق الحدودية الوعرة، والتي لا يمكن ضمان نتائجها.
وعليه فإنّ أوباما خضع لوقع الضّغوطات التي صدرت عن الرّأي العام الأمريكي، وبالخصوص العائلات التي ما فتئت تنتقد الطّريقة المتّبعة في هذا الشّأن، وما من يوم يمرّ إلاّ وتتعالى الأصوات من داخل الولايات المتحدة، مطالبة بأن يوقف أوباما محاولة تحرير الرّهائن باستعمال القوة بدلا من اللّجوء إلى وسائل أخرى متاحة يمكن أن تقلّل وتخفّف من كل هذه الاخفافات المتتالية، وتأكيده على تحمّل المسؤولية الكاملة يعني أنّ القرار المتّخذ كان من أوباما، ويفهم ضمنيا أنّ القادة العسكريّين حذّروه من أنّ نسبة النّجاح ضئيلة جدا. وفي قراءة مقارنة للتّصريحات الصّادرة يتّضح بأنّ الكلام يدور تارة حول عملية مكافحة الارهاب وتارة أخرى عن مراجعة غارات الطّائرات الأمريكية بدون طيار في باكستان. هذا ليس بخلط بقدر ما هو التأثر الكبير في مقتل الرّهينتين ليس إلاّ.
ونستبعد إلغاء الضّربات الجوية، وإنما يكون هناك تعليق مؤقّت لإعادة قراءة محكمة لما يحدث هناك لأنّ الأمر لا يتعلّق بالرهائن وإنما هناك استراتيجية أمريكية في المنطقة قائمة على مكافحة الارهاب.
وفيما سبق علّقت الولايات المتّحدة العمل بالطائرات بدون طيار في باكستان عندما كان المدنيّون يسقطون بأعداد هائلة، في حين أنّ الارهابيّين كانوا في ملاذ آمنة، وبعد كل هذه الفترة عادت الغارات والعمليات لكن لم تكن في مستوى الحسابات المتوقّعة، ففي كل مرة يفشل الأمريكيون في الافراج عن الرّهائن في الكثير من الأماكن التي يتواجد بها الارهابيون كاليمن وأفغانستان وباكستان، ومناطق أخرى.
وما يزال سيناريو القضاء على بن لادن يشغل بال قادة الجماعات الارهابية، الذين غيّروا من طريقة حماية أنفسهم وإخفاء الرّهائن، ويتوقّعون في كل لحظة هجوم أمريكي لإنقاذهم، لذلك لا يتوانون في قتلهم فورا نكاية في المحاولة، وهذا لإحباط نفسية الكومندوس والقادة السياسيين والعسكريّين، ويظهر هذا العامل في عملية شهر يناير الماضي، فما هي التّغييرات التي سيعلنها أوباما في الوقت القريب لإنهاء هذا الكابوس.