انفردت القضية الصحراوية العادلة باهتمام دولي خاص في غضون هذه الأيام وبالضبط من طرف بلدان مؤثرة وشخصيات قوية واتحادات ومجالس سياسية ذات النفوذ الواسع في القرارات الرامية إلى تقرير مصير هذا الشعب الذي يرضخ تحت احتلال غاشم.
هذا “الالتزام” العالمي القاضي بمرافقة الصحراويين من أجل استعادة حقوقهم المهضومة، نابع من تعهد هؤلاء بأن سنة ٢٠١٥ ستكون المحطة الضرورية التي تتطلب وقفة تأمل عميقة لأوضاع هذا الشعب الذي يعاني الويلات جرّاء ممارسات الغلاة المغاربة في العيون والدخلة والسمار. من خلال إجبار القوة المحتلة على القبول بالحل الذي تراه المجموعة الدولية مناسبا في مثل هذه الظروف، وكل المؤشرات المتوّقعة تؤكد أننا ذاهبون إلى خيار تنظيم استفتاء حر ونزيه وشفّاف بالصحراء الغربية.
هذا الاهتمام الدولي البالغ مشفوع بمؤشرات ملموسة تحمل دلالات التفاؤل الكبير يمكن أن نذكرها في تنقل السيد كريستوفر روس المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى منطقة المغرب العربي في زيارة لكل من موريتانيا والمغرب والجزائر، كما التقى بالمسؤولين الصحراويين، وفي هذا الإطار كان لروس جلسة عمل مع أعضاء الوفد المفاوض لجبهة “البوليساريو” بمخيمات اللاجئين تُترجم الاتجاه الذي تُجمع عليه كل الأطراف المعنية بهذا الملف، خاصة ممارسة المزيد من الضغوط على المغرب قصد الانصياع للشرعية الدولية بعد أن اقتنع الجميع بأن العرقلة مصدرها هذا البلد.
التحرك الحالي لروس، هو شعوره العميق بأن التقرير الذي سيعرضه أمام مجلس الأمن يجب أن يكون عمليًا وحاملا لاقتراحات بالأخص إقامة الاستفتاء بالصحراء الغربية في أقرب وقت ممكن.
وكل المساعي المبذولة في هذا الشأن لها امتدادات تضرب بجذورها في حوليات الأمم المتحدة التي تضيف الصحراء الغربية ضمن الأقاليم غير المستقلة منذ سنة ١٩٦٣ التي تقع تحت طائلة اللائحة رقم ١٥١٤ المتعلقة بالإعلان عن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والأكثر من هذا فإن الأمين العام أقرّ بأن ملف الصحراء الغربية يندرج ضمن تصفية الاستعمار.
هذا الإطار السياسي العام للقضية الصحراوية يؤكد بأن هناك عملا دوليا ينجز في الوقت الراهن مفاده وجود توجه قوي من أجل تسوية مبنية على عناصر ثابتة أقرّتها اللوائح والنصوص الأممية من أجل تقرير مصير هذا الشعب ومهما كانت التبريرات المغربية، فإنها لن تقبل من قبل المجموعة الدولية التي تطالب بإيجاد حل لهذه المشكلة إن كان آجلا أم عاجلا.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن المغرب حاول خلال الآونة الأخيرة اختلاق ذلك الجو العدائي ضد الصحراويين كتمهيد للتأثير على تقرير روس المقبل الذي دُشن بخطاب اللاءات للملك محمد السادس، وما ورد فيه من أكاذيب وأوهام حول الحكم الذاتي، تلته مناورة اللوبي المغربي في الاتحاد الأوروبي الذي حاول تشويه مسألة المساعدات الإنسانية للصحراويين. ليختتم بمهزلة منتدى كرانس مونتانا بالدخلة المحتلة ناهيك عن التصريحات النارية ضد الجزائر.
هذه “الهجمة الشرسة” على الصحراويين لم يأبه بها روس الذي جاء إلى المنطقة مؤخرا وهنا استغل المغاربة الموقف للإدعاء بأن هناك اقتراحا عرض على الصحراويين يتعلق بما يعرف بصيغة الفدرالية أن الانضواء تحت مظلة مغامرتية لا يعرف عقباها وهي في حقيقة الأمر الحكم الذاتي الذي يراد له أن يغير اسمه أو تسميته فقط، هذه الحيل لن تنطلي على القيادة الصحراوية.
وقرابة ٤ أسابيع من الكشف عن تقرير مجلس الأمن تتعالى الأصوات الحرة وتعلن المواقف المبدئية الثابتة تجاه القضية الصحراوية، جدّدتها السيدة نكوسازانا دلاميني زوما رئيسة الاتحاد الإفريقي بالقول أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة كضمان لمسار تقرير مصير الشعب الصحراوي بهدف تسجيل تقدم في الملف وتسهيل التوصل إلى لائحة تنص على تقرير مصير الشعب الصحراوي.
ويجد المطلب المتعلق بإدراج آلية حماية حقوق الإنسان في عمل “المينوروسو” صداه لدى العديد من البلدان فقد أبدت ١٠ دول وهي جنوب إفريقيا، الإكوادور، كوبا، ناميبيا، الجزائر، نيكاراغوا، وتنزانيا، تيمور الشرقية، فنزويلا
وزيمبابوي، في بيان مشترك قلقها العميق تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي يقترفها النظام المغربي ضد المدنيين الصحراويين.
ومن جهتها، قرّرت لجنة السياسة الخارجية للمجلس الوطني السويسري إيداع لائحة تكلف بموجبها المجلس الفدرالي بمطالبة الأمم المتحدة توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة من أجل تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية.
لحماية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، كما سارع الاتحاد الأوروبي إلى التأكيد على انخراطه في مسعى الاستشارة القانونية للأمم المتحدة لسنة ٢٠٠٢. التي تمنع أي تنقيب واستغلال للنفط في الصحراء الغربية المحتلة، وفي خضم هذا الرفض الدولي للاحتلال المغربي أكد السيد هانس كوريل مساعد الأمين العام السابق مكلف بالشؤون الخارجية ومستشار قانوني لدى الأمم المتحدة أن استغلال الموارد المنجمية في الصحراء الغربية يعد خرقا لمبادئ القانون الدولي المطبقة على “الأقاليم غير المستقلة داعيا إلى تحويل “المينوروسو” إلى إدارة انتقالية للأمم المتحدة تكون شبيهة بما حدث في تيمور الشرقية.
هذه التطورات الجديدة، عشية صدور تقرير روس، تبين حقائق سياسية راسخة لدى كل هذه الجهات أهمها أن الصحراء الغربية إقليم غير مستقل تنطبق عليه كل اللوائح الأممية في هذا الشأن، وما على التنظيم الدولي إلاّ السعي من أجل الاهتداء إلى عمل واضح من صميم صلاحيته كتنظيم الاستفتاء وهذا ما يقوم به حاليا المبعوث الأممي مع الأطراف المعنية.
وبالتأكيد، فإن التحفّظ الكبير، سيصدر عن المغرب وهذا من خلال السكوت المطبق الذي يلاحظ عنه منذ الزيارة الأولى لروس وهذا بتكسير كل هذه الحيوية، وهذا باللّجوء إلى تركيب سيناريوهات اعتدنا عليها لكن هذه المرة فإن التقرير لا يرحمه.