في قلب عاصفة الركود الاقتصادي

حمزة محصول

على درجة كبيرة من الوعي، والتطلع الى مستقبل أفضل للبلد، بعيدا عن قبضة الحاكم المطلق، انتصر الشعب المصري لارادته الجامحة في التغيير، عبر ثورة سلمية، هزت أركان نظام مكث ثلاثين سنة في سدة الحكم، منهية بذلك عهدا واسست لآخر، يسعى لاحقاق مدنية وديمقراطية الدولة.وكإمتداد لثورات - مايعرف بالربيع العربي-، اسهمت الثورة المصرية في زيادة الوعي ورص صفوف شرائح واسعة من فئات المجتمع، وباتت مرجعا للفصل في الاختلاف. الكل يستند على مبادئها وأهدافها، واضحى  التجمهر والاحتشاد في مظاهرات، وسيلة للتقويم وفرض الرأي، ورفض كل معارض ومخالف لمبادئ هذه الثورة.
لكن ما تمليه مبادئ الديمقراطية، حتم على المصريين قبول ما تفرزه نتائج صناديق الاقتراع، ولوزوم الانتقال من شرعية الثورة الى شرعية الصندوق، يعني المساس بها إعلانا للفوضى ونفخا في أبواق الفتنة، خاصة في مرحلة انتقالية عسيرة، ليس أهون من مرحلة الاطاحة بحكم مبارك، فالصدام هذه المرة  كان بين الاطياف التي تتبنى ثورة يناير ومبادئها، وبين المتحصنين بشرعية الانتخابات، وبيدهم مفاتيح  قيادة المرحلة القادمة،وهم   الاخوان المسلمين، ويطلق عليها القوى المعبرة عن مدنية الدولة وقوى الاسلام السياسي، هذا الارتطام الناجم عن الخلاف حول مكانة الدين في الدولة الجديدة، عمق جراح مصر خاصة وانه يتزامن وحالة ركود اقتصادي رهيب، زادت من ارباك وتخبط الاخوان والمعارضة التي تقودها نخب التيار الليبرالي، الذي يتحين الفرصة المناسبة لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي والاخوان، رغم ان المتحلين بالموضوعية والهدوء، يرون ان ستة اشهر قصيرة لتقييم ومحاسبة فترة حكمهم، لكن أزمة الثقة ونوايا الاطراف المتصارعة زادت من حدة الشرخ وحولت الخلاف من فكري الى جسدي على قارعات الميادين، وقسم صُناع الثورة الشعبية السلمية، الى صفين لعبت الطائفية و التشدد دورهما في تأجيجه لا إخماده، رغم ان لكل طرف اخطائه.
ومما يُحسب على كونه أخطاء، كان على الرئيس محمد مرسي إجتنابها، وهو على دراية بشراسة معارضيه، دخوله في معركة مع القضاء الذي يمثل سلطة ان تمتعت باستقلاليتها الكاملة صلحت الديمقراطية، والعكس يعني دوام الحاكم المطلق واستشراء الفساد في اركان الدولة، ورغم ان مرسي، يبرر اعلانه الدستوري الاول الذي خول لنفسه به صلاحيات مطلقة أوقدت أزمة معقدة، ستطارده طيلة فترة حكمه، بالسعي لانهاء المرحلة الانتقالية وتجسيد أهداف الثورة، لكن الخصوم رأوا، ان في ذلك رغبة جامحة من قوى الاسلام السياسي لتبيث حكمها في مصر، وجعله نمودجا يحتدى به في بلدان الثورات التي قطف الاسلاميون ثمارها، بعدما صوروا للشعب انه امام خيارين، هما رموز النظام السابق او الاسلام السياسي المتسلح بالضمير الاخلاقي والوازع الديني لصون كرامة المواطن، لكن مقتضيات السياسة ومحركات الاقتصاد تفرض منطقا غير ذلك الذي يتلى في الخطب والشعارات.
 لقد علق الشعب المصري وثورته امالا كبيرة

على الاخوان المسلمين، ، وجيء بهم  الى الحكم بعد سنوات طويلة من المعارضة والمطاردة ، ونص ميثاق العقد بينهما، على إحداث القطيعة مع الحقبة الماضية وتوفير عيشة كريمة، فارتبط التطبيق بالامل، واصبح كل خطأ خيبة مثيرة للغضب، ومنذ فشل وعود المئة يوم من حكم مرسي، وصولا الى الاعلان الدستوري ومسودة الدستور، وما نجم عنها من استقالات للمستشارين، بات هذا الحكم يتأرجح على كفة عفريت، تتربص به الهزات العنيفة خلال الاربع سنوات القادمة.
وبعيدا عن الصراع الدائر على كرسي الحكم، اعطت نسب المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور دلالات هامة، تتطلب الالتفات لها وباسرع وقت ممكن، فقد توجه 17 مليون ناخب فقط للتصويت بنعم او لا على الدستور، وقاطع حوالي 70 بالمئة من الهيئة الناخبة عملية الاقتراع، و هي

نسبة تلامس نسب انتخابات السنوات الاخيرة من حكم مبارك، وقراءتها تدل على ان المجتمع المصري الذي يعيش ثلثي سكانه تحت خط الفقر، منهك ومثقل بهموم الفاقة والبطالة والامراض والامية، بعدما تأكد ان حيوية الثورة لازال يقابلها ركود على جميع الجبهات، واعترف رئيس الوزراء هشام قنديل،  بان الوضع المالي و الاقتصادي في خطورة عالية والحكومة بصدد طلب قرض من صندوق النقد الدولي بشروطه القاسية، وابدت رغبة في رفع اسعار بعض المواد الاساسية جمدت بسبب رفض الطبقات المتوسطة والفقيرة.
ان حال مصر اليوم، يقول: لكل ثورة ثمن، سواء في مرحلة التمخض والانفجار،   في مرحلة البناء والقطيعة مع الماضي، والصراع على السلطة بين الاطياف السياسية، وتحوير رغبة الشعب والشرعية بما يخدم مصالح هذه الاطياف، ويؤخر البناء ويبقى على الركود ويمنع مسايرة ركب التقدم والازدهار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024