الباحث في الشؤون الأمنية حسام حمزة لــ “الشعب”

المبـادرة الجزائريــة لتسوية النزاعات تحظـى بالمصداقيـة

حاورته آمال مرابطي

”كرانـــــــــس مونتانــــــــــا” منـــــــــاورة مغربيـــــــــة فاشلــــــــة

جهود دبلوماسية لعلاج أزمة ليبيا بعد اتفاق السلام في مــالي

من موقعه كأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية وكباحث في الشؤون الأمنية، خاصة بالفضاءات الجيوسياسية التي تنتمي إليها الجزائر، لاسيما الساحل وإفريقيا، توقّف السيد حسام حمزة في حواره مع “الشعب”، عند العديد من المحطات لعلّ أهمها الانخراط الجزائري المتميّز في مسارات تسوية الأزمات الاقليمية بما في ذلك أزمة مالي التي توّجت باتفاق للسلم والمصالحة موقع بالأحرف الأولى، وأزمة ليبيا التي تراهن الجزائر على حلحلتها عبر حوار ترافقه بكل جدّ واخلاص ونزاهة. واعتبر الأستاذ حمزة أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي تملك المقدّرات الدبلوماسية والمادية للاضطلاع بمهمة اقرار الأمن والاستقرار بالمنطقة، مسجّلا القناعة الدولية بأفضلية مقاربتها التي تقوم على الحلول السلمية.كما عرجّ الاستاذ على قضية محاربة الإرهاب، وعلى انتهاكات المغرب  الجسيمة في الصحراء الغربية واعتبر تنظيمه لمنتدى “كرانس مونتانا”، خرقا للشرعية ومناورة فاشلة تداعياتها جاءت عكس ما كان يطمع إليه. التفاصيل في هذا الحوار الدي أجرته معه “الشعب”.   
«الشعب”: تكثّف الجزائر جهودها لحلحلة الأزمات التي تعصف بالمنطقة ويلقى نهجها السّلمي دعما إقليميا ودوليا، فما قولكم؟
 حسام حمزة: الانخراط الجزائري في مسارات تسوية النزاعات الإقليمية في مواجهة مهدّدات الأمن في السّاحل في إفريقيا واضح ولا غبار عليه، وأحسن مثالين عن هذا الانخراط هو تعاملها مع الأزمتين المالية والليبية اللّتين تقعان حاليا، “في صلب عملها الدبلوماسي المباشر”، باعتبارهما حالتين باعثتين للإرهاب وعدم الاستقرار على الصعيد الإقليمي وتقعان في جوارها المباشر، بالإضافة إلى المتابعة عن قرب ودعم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
أسّست الجزائر موقفها تجاه هاتين الحالتين قبل التدخل العسكري الأجنبي على مبدأين رئيسين هما معارضة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في تسوية الخلافات الداخلية من جهة، ورفض التدخل الأجنبي تحت أي مبرر من ناحية ثانية.
أما بعد التدخل الدولي في كلا الحالتين، فقد اتضح باكرا أنّ إنهاء الانفلات الأمني وعودة الاستقرار إلى مالي وليبيا يعد أولوية جزائرية نظرا للتبعية الأمنية المتبادلة التي تميز وتربط  أمن الجزائر الوطني بأمن دول الإقليم الساحلي.
أما بالنسبة للدعم الذي تلقاه الجزائر من قبل مختلف القوى الإقليمية والدولية  فهو مرتبط بمحددين: أولهما، ضرورة أن تضطلع الجزائر بمهمة الوساطة باعتبارها حاليا الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي تملك المقدرات الدبلوماسية والمادية للقيام بهذه المهمة، وثانيهما، القناعة التي وصلت إليها هذه القوى بصلاحية وأفضلية المقاربة الجزائرية مقارنة بالمقاربات المتاحة حاليا.
ونذكّر هنا بأن مقاربة الجزائر ترتكز على ضرورة أن تكون الحلول للإشكاليات الأمنية الساحلية والإفريقية ذاتية، فهذه هي الضمانة الوحيدة لفاعلية واستدامة الحلول إذا كانت هناك نوايا صادقة لحلحلة الأزمات التي يعيشها الإقليم.
 ألقت الآلة الدبلوماسية الجزائرية بثقلها لحل الأزمة في مالي فكانت النتيجة اتفاقا للسّلم والمصالحة موقّع بالأحرف الأولى، فما أهميّة هذه المحصّلة؟
 فيما يتعلّق بمالي، رفضت الجزائر كلّ الحلول القائمة على التدخّل العسكري لمواجهة المدّ الانفصالي الذي كان يتهدّد البلاد، قبل أن تحصل فرنسا على تفويض أممي للقيام به بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2012 /2071).
 ثم عادت الجزائر بعد التدخّل، إلى دورها كـقائد لخط الوساطة بين حكومة باماكو ومجموعات الشمال لإقناعهما بالانخراط في مسار مفاوضات مباشرة ومعمّقة تتأسّس على سلامة ووحدة أراضي الدولة المالية وتتوخى حلاّ سلميا شاملا ونهائيا للأزمة.
 الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه، هو نجاح آخر يحسب للدبلوماسية الجزائرية  وللجهود التي بذلتها مع مختلف الأطراف بالنظر للظروف التي ميّزت المفاوضات، أقول نجاح آخر، لأن النجاح الأول الذي حقّقته الجزائر كان جمع الأطراف وإقناعهم بضرورة الحوار لتسوية الأزمة الداخلية التي كادت أن تفكك الدولة المالية، والأمل كبير في المصادقة النهائية على الاتفاق من قبل جميع الأطراف، أي الحكومة المركزية في باماكو وما يعرف بـ«جماعات الشمال”، ففي العرف الدبلوماسي، المصادقة هي التي تدخل الاتفاق حيز التنفيذ.
الحوار السياسي لعلاج أزمة ليبيا 
 بعد مالي تعكف الجزائر على تفكيك خيوط المعضلة الليبية، فكيف تقيّمون هذا الدور وما توقّعكم لنتائجه؟
 في ليبيا المعطى الموضوعي والسياق مختلف، فنحن أمام حالة من انتشار مخيف للعنف والفوضى في كامل البلاد إلى حدّ التهديد بتقسيم الدولة والمجتمع الليبيين  بسبب عجز السلطات الانتقالية عن فرض النظام وإخضاع عشرات الميليشيات المسلّحة لسلطتها منذ سقوط النظام السابق في 2011.
نحن باختصار أمام حالة لدولة فاشلة وعجز عن الاتفاق على قواعد المرحلة الانتقالية أو ببساطة “دستور جديد” يمهد لتأسيس دولة بنظام جديد.
 بالنسبة للجزائر فقد بنت موقفها منذ بداية النزاع الداخلي هناك على الحياد وطالبت بتسويته سلميّا دون تدخّل أجنبي، وحتّى بعد انتهاء هذا التدخّل واستمرار حالة الاحتراب الداخلي، وبعد مطالبة البرلمان الليبي يوم 13 أوت 2014 بضرورة تدخّل دولي لحماية المدنيين من عنف الميليشيات وانتشار السلاح، ثمّ تعالي أصوات تنادي بتدخّل الجزائر لإنهاء حالة الفوضى في ليبيا باعتبارها القوّة الإقليمية الوحيدة القادرة على الاضطلاع بتلك المهمة، حافظت الجزائر على موقفها المبدئي القائم على عدم التدخّل ورفضت “أن تقرّر مكان الليبيين” والتزمت بمبدأ الحياد الإيجابي مطالبة بحلّ سلمي قائم على الحوار بين مختلف الفرقاء المؤثّرين في المشهد السياسي الليبي دون استثناء، شرط أن يتأسّس الحوار على القبول بالوحدة الترابية للدولة الليبية ونبذ استخدام القوّة أو التهديد باستخدامها من أجل تحقيق المطالب.
 هذه هي القواعد التي تتأسّس عليها المقاربة الجزائرية لحل الأزمة الليبية في الراهن وهي معنية أكثر من كل الأطراف بهذه الأزمة بسبب افرازاتها الأمنية المباشرة على الأمن القومي الجزائري، أما فيما يتعلق بالنتائج المتوقعة فلا يمكن التنبؤ بها حاليا حتى التأكد من النوايا الفعلية لمختلف أطراف الأزمة وصدق نوايا الجهات الإقليمية والدولية المؤثرة عليها.
وتبقى الجزائر مطالبة بالضغط على الدول الأوربية والمجتمع الدولي عموما كي يضطلع بدوره في إيجاد مخرج للمعضلة الليبية، لأن تكلفتها باهظة وتهديدها كبير على كل المنطقة.
 يشكل التحدّي الأمني الرهان الأكبر في المنطقة، فكيف السبيل لمواجهته؟
 يجب النظر إلى “المواجهة” كمسار لن يؤتي نتائجه الإيجابية إلا على المدى الطويل، هذا المسار يمر بعدة مراحل أولها والأكثر إلحاحا في الظرف الراهن،هو “بناء الدولة الوطنية” في الساحل وإفريقيا بناءً  ديمقراطيا يرتكز على إرادة واختيار الشعوب والشرعية الدستورية، لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة لنجاح هذه الدول في حوكمة فضائها الإقليمي، أمنية فعالة تجنب المنطقة سيناريوهات التدخل الأجنبي والبشري الذي تكون أضراره أكثر من منافعه.
 يجب في الوقت نفسه نشر ثقافة التسامح والانفتاح والحوار بين مختلف التركيبات السكانية الموجودة في المنطقة ومواجهة عوامل التفكك “الهويتي” والمجتمعي، لأن ما نعيشه حاليا في الساحل هو تفكك وغياب لقيم المواطنة والولاء للوطن في مقابل تعدد للولاءات، هذه الأخيرة يمكن أن نسميها “ولاءات ما قبل الدولة الوطنية”، وهي الولاءات للقبيلة أو العائلة، أو حتى للخارج في بعض الأحيان. دون القضاء على هذا التفكك “الهويتي”، فإن احتمال التنازع والاحتراب الداخلي يبقى قائما في رأينا مهما كانت الحلول المقترحة.
 محاربـــة الإرهـــاب
 أيّ استراتيجية أمنية توقّف التمدّد الإرهابي في افريقيا؟
 الإرهاب ظاهرة معقّدة وممتدة، أقول بأن انتشار أي ظاهرة وامتدادها هو دليل قاطع على وجود ما يغذيها ويوفر لها شروط الاستمرار، والإرهاب هو ظاهرة ينطبق عليها هذا التحليل.
 إذن كل استراتيجية أمنية لمواجهة الظاهرة الإرهابية يراد لها أن تكون ناجعة يجب أن تتأسّس على ضرب هذه الظاهرة في جذورها، وإلا فإنه لن يتوخى نجاحها.
انطلاقا من هذا يجب ضرب الإرهاب كفكرة ثم ضربه كسلوك. فكريا، يجب مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للسلوكات الإرهابية والتي تنسب للأسف للإسلام عن قصد وعن غير قصد حتى من قبل المسلمين أنفسهم. أما كفعل، فإنه يجب قطع كل ما يضمن للإرهاب البقاء والامتداد، وأقصد هنا بالأساس التمويل والدعم اللوجستيكي.
 تتوالى الانتهاكات المغربية في الصحراء الغربية وآخرها تنظيم منتدى كرانس مونتانا بالداخلة المحتلة، ما تعليقكم؟
 تنظيم منتدى كرانس مونتانا بمدينة الداخلة الصحراوية، التي يتم الإقرار دوليا بأنها محتلة، هو في رأيي مناورة أخرى من مناورات نظام المخزن لأجل استفزاز الشعب الصحراوي وكل مؤيدي تقرير المصير في الصحراء الغربية، لكن هذه المناورة كانت فاشلة ونقطة تحسب على النظام المغربي لا له، وجاءت تداعياتها عكس ما كان يطمح إليه الاحتلال لصالح الجمهورية العربية الصحراوية في وقت كان يصبو من خلالها إلى التسويق لرؤيته لحل النزاع الدائر بينه وبين الصحراويين. هذه الندوة التي كلّفت المغرب كلفة مالية غالية، لم يجن منها إلا التنديد من قبل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي، اذ اعتبرت هذه المنظمات أن سلوك المغرب هذا غير شرعي ويتنافى وقواعد القانون الدولي ويسير عكس الجهود الدولية الرامية إلى تسوية المسألة الصحراوية تسوية شرعية وعادلة.
هناك مؤشر آخر عن فشل هذه المناورة المغربية هو رفض كل قادة الدول والحكومات الإفريقية المشاركة في أعمال الندوة، حتى الملك المغربي لم يحضر، وهذا في نظري دليل آخر عن عدم جدوى هذه المناورة.
 صورة قاتمة يعكسها الواقع العربي الراهن، ما قولكم؟
 بالتأكيد، والصورة ستشتد قتامة في المستقبل إذا بقي الإنسان العربي والمسلم على ما هو عليه حاليا.
 نحن بصدد مشروع ممنهج لتقسيم وتفكيك العالم العربي قيميا و«هويتيا” أكثر مما هو مفكك جغرافيا وإبعاده أكثر فأكثر عن رسالته الحضارية. للأسف، ما يقوم به العرب حاليا ضد أنفسهم وبين بعضهم البعض من قتل وتدمير وتخريب فاق كل التصوّرات، وأصبحت مشاريع تفكيك العالم العربي تتم بأياد عربية أكثر منها بأياد أجنبية. هناك ابتعاد متواصل عن قيم الإسلام لصالح قيم الغرب بفعل المد “العولمي”، وإننا كلما ابتعدنا عن هذه قيم الإسلام الأصيلة ابتعدنا أيضا عن النهضة...

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024