لا تدّخر الجزائر جهدا في سعيها المتواصل من أجل كبح انهيار أسعار البترول من خلال اعتماد مقاربة دبلوماسية بناءة ذات أبعاد اقتصادية وتنموية ترتكز على تنمية الحوار بين أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول “اوبيك”، من جهة، وتوسيعه ليشمل أكبر البلدان المنتجة من خارج المنظمة وكذا مع كبار البلدان المستهلكة. ويمكن توقع بلوغ نتائج ملموسة تصبّ في صالح الحفاظ على توازن السوق البترولية انطلاقا من وقف تراجع الأسعار في مرحلة أولى ومرافقتها في مرحلة ثانية للتحسن إلى مستويات تستجيب لانشغالات البلدان المصدرة والمنتجة وتراعي أيضا احتياجات البلدان المستهلكة، وفقا لمعادلة تأخذ في الاعتبار النمو العالمي.
بلا شك، إن زيارة وزير الخارجية النرويجي الأخيرة إلى بلادنا تحمل دلالات في هذا السياق، حيث صرّح وزير الخارجية رمطان لعمامرة أن الجزائر بلغتها أنباء “جد مشجعة” و«جد إيجابية” بخصوص مسعاها المتعلق بالتشاور والحوار إزاء تطور سوق النفط. موضحا أن المبادرة “لا تهدف إلى استحداث مقاربة للمنتجين مقابل المستهلكين”. وأوضح في هذا الشأن أن محادثاته مع السيد براند كانت “بناءة ومفيدة”، مذكرا أن سوق النفط تتوقف على العوامل الموضوعية والاقتصادية والتكنولوجية، لكنها تخضع كذلك لعوامل ذات طابع سياسي واستراتيجي وأن الجزائر ستستمر في العمل مع “شركائها لبلوغ هذا الاستقرار”.
ويمكن للتعاون بين الجزائر والنرويج أن يقود إلى إرساء تصور جديد يؤسس لعلاقات اقتصادية دولية ترتكز على حماية السوق البترولية من تأثيرات القوى النافذة في صناعة القرار الدولي، ومن ثمّة العمل معا وباشراك البلدان القوى الدولية التي تتقاسم القناعة بانسنة العلاقات الدولية وتوسيع مساحة صناعة القرار فيها تجاه التصدي للظواهر الجديدة التي تستهدف استقرار الدول الناشئة، وبالتالي فضح المخططات التي تروّج لاكذوبة ما يسنى باطلا “الربيع العربي”، الذي أدى في عدد من البلدان التي عصفت بها “الفوضى الخلاقة” إلى استحواذ منظمات ارهابية متشدّدة على مصادر للبترول فتغرق السوق بكميات هائلة مقابل اسعار زهيدة وهي وضعية وجدت فيها بعض البلدان المستهلكة والشركات المضاربة مصدرا للكسب.
وزير الشؤون الخارجية النرويجي بورغ براند يكون قد لمس طيلة يومين من التباحث والنقاش مدى العزيمة التي تحذو الجزائر لإلقاء جسور تواصل وتبادل بين الشمال والجنوب، وذلك انطلاقا من المحادثات الطاقوية التي تشكل حجر الأساس لبناء شامل يستوعب مصالح البلدان التي تتطلع لنموذج شراكة متوازنة وعادلة وذات طابع انساني يتطابق مع أهداف الألفية للأمم المتحدة. وتستطيع دولة مثل النرويج أن تستعيد المركز في الشمال لتربطه بالمركز في الجنوب من خلال الجزائر من أجل إطلاق مسار جنوب ـ شمال بضيغة حديثة تحمل قيّما مشتركة تجعل مصالح هذا الطرف من حماية مصالح الطرف الآخر في درجة أعلى من المصالح الضيفة للشركات التجارية العابرة للحدود.
الجزائــــر النرويـــــج.. مقـــاربة جديدة للتعاون شمال ـ جنوب
سعيد بن عياد
شوهد:550 مرة