“داعش” من العراق وسوريا.. إلى ليبيا

مشاهد سياسية وأمنية مفضوحة

جمال أوكيلي

بلغ التهويل السياسي والإعلامي بخصوص ما يسمى بـ«داعش” سقفا هيستيريا” زادت من حدّته تأثير الصورة التي يستعملها هذا التنظيم كجزء من الاسراتيجيته تستكمل ما يصنعه في الميدان من تطاول على الشعوب الآمنة في العراق وسوريا وليبيا حديثا.

وإن كان هناك إجماع دولي على استنكار ما يفترقه هؤلاء من جرائم ضد الانسانية، إلا أننا لا نسجل تلك الإرادة القوية في سحق هؤلاء بالشكل الذي يريده كل من اعتدت عليه هذه العصابات سواء بذبح الرعايا الأجانب أو المصريين أو حرق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة.
هذا ما سمح لهؤلاء بأن يطلقوا العنان لآذانهم يتبخترون بتلك السيارات الرباعية الدفع المصطفة الواحدة تلو الأخرى إلى ما لا نهاية في آخر طراز  ليس هناك من يحرج هذه الاستعراضات الحربية.
هذا الامتداد لـ«داعش” واستقراره في بؤر التوتر وأماكن الأزمات الأمنية الحادة يترجم حقا وجود مؤامرة واسعة النطاق هدفها التهافت على الأسلحة الفتّاكة التي تتواجد بساحات المعارك سواء في المدن العراقية أو السورية أو الليبية، من أجل تعفين الوضع العسكري وإدخاله في زاوية انعدام افق الحل وتغييت كل محاولة خارجية لإنهاء تلك الصراعات الشرسة ويشعر المتتبعون بأن هذه المعاينة تتضح أكثر مع مرور الوقت كلما يتصاعد منحى التحمس في تقويض أركان هذا التنظيم إلا ونلاحظ في فترة وجيزة تلاشي هذه الإرادة.. ونعود إلى نقطة البداية وكأن شيئا لم يكن لا ندري لماذا؟ الجميع يدرك جيدا بأن الضربات الجوية هي الخيار المتبع اليوم، لكنها تحوّلت للكثير هالة تتداولها وسائل الاعلام دون الحسم في هذا الأمر عسكريا.
ونعتقد بأن العالم يتفرّج اليوم على ما يقع هنا وهناك دون أن يتخذ القرار الفاصل الذي يقلص همجية هؤلاء، لذلك اندهش الجميع ما حدث للمصريين العاملين في ليبيا وكذلك رد سلطات هذا البلد وأولى تداعيات هذا التحرك هو أن مواجهة داعش يأتي وفق ردود فعل سريعة ليس إلا بمجرد مرور ذلك الظرف تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي لا أكثر ولا أقل  ويدخل الجميع مرحلة الانتظار والترقب..لما تأتي به الأيام القادمة.
وهذه النزعة الفردية في محاربة “داعش” هي التي تركت الأوضاع تزداد تعقيدا بالنسبة لكل من يقف ضد هؤلاء، وأدت إلى بروز مؤشرات جديدة كمحاولة تغيير طبيعة “الأزمات” من سياسية إلى أمنية كما هو الحال في ليبيا.. هناك مغالطات لابد من توضيحها فورا.. إن مايقع في ليبيا هو من فعل جماعات وميليشيات معروفة لدى العام والخاص بالأمس كنا نسمع عن مسلحي مصراتة والزنتان والذين يسمون أنفسهم بـ« فجر ليبيا”.. كيف ياترى تغيرت هذه التسميات ليخرج “داعش” في هذه المنطقة؟ هناك مناورات وتلاعبات لا تعد ولا تحصى، جهات شغلها الشاغل زعزعة استقرارالمنطقة وهذا بإعطاء المبادرة لتنظيم مصطنع في احتلال الواجهة الأمنية ينطق بهذا الاسم والدليل على كل هذه السرعة في جلب انتباه الآخرين العمليات التي شهدتها طرابلس ضد إقامة السفير الايراني وقصف مطار أبرق.. كلها سيناريو جديد لتغيير المشهد العسكري في  ليبيا وتغيير طبيعته من القبول بمبادرة الحوار إلى الرفض المطلق وهذا التوجه الثاني تمثله هذه المجموعات التي تخلت عن أسماء الانتماء القبلي إلى انتماء العقائدي الذي يرفض كل شيء.. وهذا عندما أخذ الحوار يتبلور رويدا رويدا باتجاه الفعل الايجابي الذي يمكّن هذا البلد من التخلص من كل تراكمات الماضي.. وماتزال حتى الآن تلك المساعي تبذل من أجل ايجاد مخرج لائق.. والمقاربة الجزائرية الأكثر واقعية في هذا الشأن كونها مبنية على الهدوء والتعقل والحكمة وبعد النظر تتطلب الكثير من النضج مع مرور الوقت إلى أن تصل إلى مبتغاها المرجو منها.
هذا هو التوجه الخطير هو الذي يريد البعض فرضه في هذا البلد أي إغلاق الأفق كلية وعدم ترك الفرصة لأي حل مرتقب.. من جهة أخرى فإن حسابات هذه الجهات تتسع مع كل نوايا هؤلاء في بسط وجودهم وصناعة الحدث الذي يريدونه، وهذا بإيهام الرأي العام بوجود قوة في هذه المنطقة قادرة على القيادة وهذا غير صحيح.. الأوضاع في ليبيا لا تتحكم فيها هذه الجهات التي تتدّعي أنها تابعة لذلك التنظيم الأمر يختلف.. ما يقع في العراق وسوريا هناك وسائل إعلام عربية وقعت في هذا الفخ عندما راحت تقدم بالاسم الدقيق الشخص الذي أرسل إلى ليبيا لقيادة ما أسمته بـ«داعش”، وفي هذا السياق فإن أكثر من سؤال يطرح في هذا الإطار خاصة السهولة في توليه مثل هذه المهمة وهو قادم من الأنبار (العراق) نحن اليوم أمام محاولة فرض حالة استثنائية في ليبيا لا تقبل بها دول الجوار أبدا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024