في خطوة لا يمكن قراءتها إلاّ على أنّها خطيرة وتحمل بين طيّاتها الكثير من علامات الاستفهام، وقّعت أمريكا وتركيا اتفاقا لتدريب وتجهيز ما يسمّى بالمعارضة السورية المعتدلة بزعم مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي.
الاتّفاق كما أوردته وسائل الاعلام العالمية، يشمل إرسال واشنطن لأكثر من 400 عسكري ــ أغلبهم من قوات العمليات الخاصة ــ لتدريب الآلاف ممّن يوصفون بالمعتدلين السّوريين في معسكرات تدريب بتركيا وبعض البلدان الخليجية، وتزويدهم بأفتك أنواع السّلاح.
وبغض النّظر عن كونها تشكّل ضربة قاصمة لجهود التسوية السلمية التي تقودها على وجه الخصوص روسيا والمنظمة الأممية، فإنّ فكرة تدريب قوّات المعارضة السورية تبدو غير صائبة بالمرّة، لأنّها تعتبر تدخّلا سافرا في شؤون الآخرين مهما كان المبرّر الذي تتخفّى وراءه، فهل تقبل أمريكا أو تركيا أو أيّ دولة أخرى أن يتدخّل الآخرون في شأنها الداخلي بهذا الشكل المريب، ليدرّبوا جزءا من شعبها ويجهّزوه بالسّلاح بزعم مواجهة إرهاب تنظيم “الدّولة الاسلامية” الذي يعلم العالم أجمع متى وكيف تشكّل، ومن تولّى غسل أدمغة عناصره حتى أصبحوا كالوحوش ثمّ فتح لهم أبواب الشام لافتراسها؟
في الواقع يعجز المرء عن استيعاب الخطوة الأمريكية ــ التركية، وتزداد حيرته وهو يتساءل كيف لواشنطن وأنقرة ومن يموّل صفقتهما المشبوهة، التّمييز بين المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة، وكيف ستتمكّن هذه المعارضة بعد تدريبيها وتجهيزها من محاربة “داعش”، الذي يعجز التحالف الدولي بقيادة أمريكا نفسها عن مواجهته، والأخطر من ذلك من يضمن التزام المعارضة المدرّبة بمواجهة الارهاب وعدم تعزيز صفوفه أو عدم توجيه أسلحتها نحو السّوريّين؟
الصّفقة الأمريكية ــ التركية ومهما كانت نواياها، لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من تعفين الأجواء بسوريا، والزجّ بالشعب الواحد في حرب أهلية مدمّرة لا نهاية لها.
طريق التّصعيد هذا، لن يحصر الارهاب كما يروّج له، بل على العكس تماما، لأن السّلاح سيكون في كل مكان وبين كل الأيدي، ليتجلّى واضحا بأنّ النّهج الذي اختارته إدارة أوباما بخصوص التعامل مع الأزمة السّورية، لا يختلف في شيء عن ذلك الذي سلكته إدارة بوش مع المعضلة العراقية، إذ تمّ تأليب هذا الطرف على ذاك وتسليح وتغليب هذه الطائفة على الأخرى، واختلط الحابل بالنابل إلى أن دمّرت بلاد الرافدين وأصبحت مرتعا للارهاب والاحتراب الطّائفي.
الاتفاق الأمريكي ــ التركي هو اتفاق عكس المنطق، ويشكّل ضربة لجهود التسوية التي بدأت تظهر بعض بوادر الانفراج من خلال اتفاقيات تجميد القتال في عدّة محافظات ساخنة.
لهذا على أمريكا بما أنّها أقوى دولة في العالم، أن تبتعد عن مثل هذه الخطوات التّصعيدية، وأن تبادر على العكس من ذلك ،الى تجريد المعارضة السّورية من السّلاح، وتدفع نحو حلّ سياسي سلمي من خلال حوار يجمع جميع أطراف الازمة وينهي الاقتتال، ليحصر ويطوّق المجموعات الارهابية فيصبح من الممكن محاربتها.