^ أكد الخبير في الشؤون الأمنية ورئيس اللجنة الجزائرية - الإفريقية للسلم والمصالحة الدكتور أحمد ميزاب في حوار مع “الشعب”، أن الجزائر تبذل قصارى جهدها لإيجاد حلول سلمية للأزمات التي تعصف بإفريقيا، خاصة تلك التي تهدّد أمن الجوار واستقراره، وهي تدفع إلى معالجتها وفق مقاربة تقوم على مبدأ التنمية والحوار بعيدا عن خيارات القوة والتدخلات العسكرية التي أثبتت التجارب بأن نتائجها كارثية. كما أكد السيد ميزاب على ضرورة تعزيز التحرّك الإفريقي لمعالجة قضايا القارة وعرّج على العديد من التحديات التي تعترضها كالإرهاب والتوتّرات الأمنية، وخلص إلى أن إفريقيا وبرغم مشاكلها أضحت قارة المستقبل الواعدة، وعلى أبنائها فقط رصّ الصفوف والتجنّد للعمل والانطلاق نحو المستقبل.
التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته “الشعب” مع الدكتور ميزاب.
«الشعب”: المهمة التي تتولونها كرئيس للجنة الجزائرية - الإفريقية للسلم والمصالحة ذات أهمية كبرى ففيما تتحدّد؟
أحمد ميزاب: بدأت اللجنة الجزائرية -الإفريقية ممارسة النشاط على السّاحة القارية يوم 19 مارس 2013، وتعود أول ندوة نشّطناها إلى 10 أفريل 2014، حيث وضعنا من خلالها الخطوط العريضة لمهمتنا.
واكبت اللّجنة في ظرف سنتين جملة من المستجدّات التي عرفتها الساحة الافريقية، فهي تشرف على تنظيم الندوات والمنتديات التي تقوم من خلالها بشرح وتبسيط مفهوم المقاربة الجزائرية لحل القضايا المطروحة، والتي تنطلق من الثوابت والقيم الجزائرية ذات البعد الإفريقي، ومن إيمانها بأن ما تعانيه القارة يجب أن يعالج وفق منظور تنموي سلمي، وفي ظلّ التنسيق مع مؤسسات الاتحاد الإفريقي والمنظمات والهيئات ذات الصلة وبالاعتماد على الخبرات والدراسات لأجل الحدّ من المخاطر والتهديدات التي تكبّل أفريقيا. وحاليا نحن نحضـر لحملة مع شركائنا من المنظمات المتعاطفة مع الشعب الصحراوي لمواجهة تعدّي الاحتلال المغربي على الشرعية الدولية.
المغرب سياسة الهروب إلى الأمام
بخصوص هذا التعدّي ما تعليقكم على عزم المغرب تنظيم منتدى مونتانا السويسري “كرانس مونتانا” في الداخلة المحتلة، وماذا تنتظرون من زيارة “كريستوفر روس” المرتقبة إلى المنطقة؟
المغرب يمارس سياسة الانتحار البطيء بتعنته الذي أفقده الوعي لدرجة أنه أضحى يخلط الأوراق وهو لا يدرك أنها تنعكس سلبا عليه.
الجزائر التي يصرّ على عدم توريطها في صراع هي ليست طرفا فيه،مواقفها واضحة، تستند إلى تطبيق الشرعية الدولية، لهذا إذا كانت المملكة المغربية متأكدة من أحقيتها في الإقليم الصحراوي كما تزعم، فلتدع الأمور تسير وفق الشرعية الدولية، أما أن تتعدى على الإنسان وتنتهك حقوق الآخرين فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
إن تعنّت المغرب يجعل المنطقة بأكملها تفقد مكاسب إستراتيجية هامة فالنزعة نحو العنف لا تولّد إلاّ العنف.
ونذكّر بالمناسبة بموقف ملك اسبانيا الذي كان ضيف شرف بقمة أديس أبابا والذي شكّل صفعة للاحتلال المغربي، عندما أعلن رفضه لمؤتمر الداخلة كونه تعدّي وتجاوز للشرعية الدولية وانعكاساته وخيمة على الرّباط.
أما بخصوص زيارة المبعوث الأممي فستكون عملية وذات نتائج ننتظر أن تكون ايجابية في طريق تجسيد حل قضية الصحراء الغربية آخر مستعمرة افريقية وفق الشرعية الدولية. ويبقى أن نشير إلى أن هذه السنة نتوقعها سنة ملف الصحراء الغربية، آخر مستعمرة إفريقية.
الوساطة الجزائرية لتسوية أزمة مالي تمضي في الطريق الصحيح؟كيف يقيمونها؟
الطرح الجزائري في مالي ينطلق من متابعة تعود لوقت سابق لتطورات هذا الملف، وهو يسعى لإنهاء هذه الأزمة للولوج إلى تجسيد آفاق عمل في ظلّ المنظومة الإفريقية المرتكزة على التنمية.
الجزائر اليوم ليست راع لعملية حوار بين فرقاء مالي فقط، بل وتلعب دور الضامن في هذه العملية، وهي تسيير الملف مرحلة بمرحلة مع منح الوقت لأطراف الحوار حتى تتمكن من الوصول لحل نهائي ودائم، وهذا يلقى قبول ومساندة دولية وإفريقية، لهذا فنحن متفائلون وننتظر نتائج ايجابية على مستوى هذا الملف.
حل ّالمعضلة الليبية يحتاج لقوة دفع من الأمم المتحدة ودول الجوار والاتحاد الإفريقي، وماذا عن دور الجزائر؟
في هذا السؤال تناولت كلمة مفتاح هامة جدا، دور الاتحاد الإفريقي بالنسبة للمسألة الليبية التي تعتبر مسألة حسّاسة وأزمة مقلقة لأن أخطارها تتجاوز حدود ليبيا.
فهذه الأزمة أعتبرها “ترمومتر” نضبط من خلاله الأوضاع في منطقة الساحل، فكلما زاد التوتر بليبيا توترت منطقة الساحل، وكلما هدأت الأمور بها هدأت الأوضاع ، وللأسف هناك من يريد تقويض مساعي الحل بليبيا لأجل بلوغ مستوى منطقة غير آمنة تدفع “لشرعنه” تدخل بالوكالة.
كيف؟
كل ما نلاحظه من محاولات الحل، يبقى محتشما مع غياب الدور الإفريقي وحتى العربي، عدا دول الجوار التي حاولت أن تتناول الملف وفق رؤية أمن الحدود دون تقديم مبادرة حل حقيقية.والاستثناء تمثله ورقة الجزائر التي تقوم على أساس شمولي أي حوار ليبي- ليبي شامل، وعلى إشراك الكل لأن الكل جزء من الحل، فالمقاربة الجزائرية أمنية - اجتماعية تفعّل منطق الحل السياسي مع الحد من انتشار السلاح وعبورها للحدود، وتدعم مسار مصالحة ليبية تدفع بقيام مؤسسات دولة.ونوجّه رسالة للفرقاء الليبيين بوجوب التحرك نحو الحل، لأنه في ظّل تحكّم التنظيمات الإرهابية بزمام المبادرة في الميدان، يخشى أن تصبح هي اللاعب الأساسي وهنا قد يصعب الحل ويصبح طرح التدخل الخارجي أقوى، وهو ما ترفضه الجزائر التي تتحرك على أكثر من محور لمنع التدخل ودعم الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة.
٥ معضلات أمنية
إقرار السلم في إفريقيا يشكّل تحديا كبيرا بالنظر إلى الأزمات التي تواجهها القارة ما تعليقكم؟
نعلم جيدا أن إفريقيا التي استعبدت واستعمرت واستغلت بشريا ومن خلال نهب ثرواتها وعبر محطات تاريخية مختلفة تعاني من تلك المخلفات، وحينما نتكلم عن الأزمات نتكلم عن خمس معضلات أمنية تدفع بوجود أزمات دائمة ومتكررة وعبر مناطق مختلفة سواء بالقرن الإفريقي أو الساحل، وحتى بغرب إفريقيا فهذه المعضلات تتمثل أولا في هشاشة الدولة وضعف الأداء الديمقراطي ومشروعية الحكم، الأمر الثاني متعلق بضعف الأداء الاقتصادي وهشاشة البنية الاقتصادية لغياب مؤسسات فاعلة، وهذا راجع لغياب إستراتيجية اقتصادية، الأمر الثالث تأثر الدول الإفريقية بالتدخلات الخارجية سواء كانت “دويلاتية” أو مؤسسات متعددة الجنسيات، الأمر الرابع الصراعات الاثنية ومشكلة الهوية والمعضلة الخامسة الإرهاب وتحالفه العضوي مع الجريمة المنظمة، كل هذا يجعل من إفريقيا منطقة أزمات، لكن لما نلاحظ هذه المعضلات الأمنية نتوصل لمقاربة صحيحة انه بتحقيق تنمية يمكن الوصول إلى تجسيد حالة من السلم والأمن، فالمصالحة ممكنة إذا ما قرأنا تاريخ هذه القارة قراءة دقيقة وواقعية، وتحقيق السلام يصبح واقعا مجسدا إذا كانت الحلول انطلاقا من أسباب الدافعة لوقوع الأزمات.
أصبح الإرهاب يشكّل تهديدا لعدة دول إفريقية، فما أسباب تنامي هذه الظاهرة، وما السبيل لمواجهتها؟
بالنسبة لهذا السؤال، يقودني لتناوله من زاويتين، الأولى أن الإرهاب معضلة أمنية تنتشر في مختلف أرجاء العالم كالسرطان تاركا أثار جد خطيرة على البني الاجتماعية، وينشب من تراكمات سياسية اجتماعية اقتصادية من جهة ومن جهة أخرى التنافس المحموم على خيرات هذه القارة يجعلها مساحات مفتوحة لمثل هذه التحديات الأمنية، لكن هناك موجة نشر فوضى أمنية ممنهجة لتبرير التدخلات لفرض وصاية الآخر وهو الأمر الذي نتصدى له وفق إستراتيجية منظمة تعتمد على وجوب إقرار برامج تنموية نحقق من خلالها منطق السلم وتكثيف التنسيق الإفريقي في رصد ومواجهة هذه التحديات.
الإرهاب لا حدود ولا جنسية له وهو يتغذي من الجريمة المنظمة والعابرة للحدود وعليه يجب التصدي لهذا الخطر وفق رؤية شمولية وتحرك إفريقي جماعي محلي وينطلق من إرادة خالصة.
كيف السبيل لإبعاد شبح التدخلات الخارجية في ظلّ هذه التعقيدات والصراع الجيواستراتيجي الدولي؟
في قمة وهران الأخيرة لاجتماع مفوضية السلم والأمن الإفريقية كان الحديث على إلزامية رصّ صفوف الأفارقة والتحرك الجماعي لحل مشاكل القارة، خاصة أننا نحصي بأن 60٪ من الملفات المطروحة بمجلس الأمن هي ملفات أفريقية لكن الأفارقة غائبون عن الحل.
وفي قمة أديس أبابا رافعت الجزائر لضرورة العمل الإفريقي - الإفريقي لمعالجة قضايا القارة التي تمتلك المؤسسات على مستوى الاتحاد والتشريعات فيكفي وجود إرادة وتفعيل آليات العمل الإفريقي المشترك.
فإفريقيا أضحت قارة المستقبل الواعدة، بل بعض الكتابات وصفتها بالهند الجديدة، لهذا علينا أن نرص الصفوف ونتجند لخدمة ومعالجة قضايا القارة مجتمعين.
ما هي قراءتكم لنتائج الدورة الـ 24 للقمة الإفريقية؟ وما رأيكم بقرار إرسال قوة افريقية لمحاربة بوكو حرام؟
الدورة الرابعة والعشرون لرؤساء وحكومات الاتحاد الإفريقي كانت توصياتها مقبولة، لكن من حيث التنفيذ تبقى محكومة بإرادة الدول الإفريقية.
المهم في الدورة أن الأروقة منحتنا أمرين دعم مطلق للمقاربة الجزائرية بخصوص مالي والمسألة الليبية و قطع الطريق على تجاوز الشرعية الدولية بمحاولة المغرب إقامة ندوة بكرانس مونتانا بالداخلة .
الشيء الأهم أن الجزائر قدمت طرحا جديدا، وهو تقديم مفهوم مركّب للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود كما رافعنا عن رؤيتنا لإفريقيا من المنظور الشمولي أي التحرك الجماعي لمناقشة المسائل الإفريقية.
أما بخصوص قوة التدخل السريع فأراه شخصيا قرارا سريعا لا يخدم توجه إفريقيا لأننا نحتاج لبناء تحالف إفريقي من خلال فهم الأسباب لإيجاد الحلول، فقوة التدخل السريع أخشى أن يكون مصيدة تدفعنا لشراك التدخلات، خاصة أن ملامحه لحظية.