تحوّلت القدرات العسكرية لكوريا الشمالية خاصة الصاروخية منها إلى مصدر حقيقي يثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتيها الآسياويتين، اليابان وكوريا الجنوبية وهي مخاوف قد تكون وراء توقيع هذه الدول الثلاث الأسبوع الماضي على اتفاق استخباراتي هدفه مراقبة القدرات الصاروخية لبيونغ يونغ، سيّما وأن الأخيرة أصبحت قادرة على تجهيز صواريخها طويلة المدى التي يمكنها أن تقطع مسافة 10 آلاف كيلومتر برؤوس نووية.
أكدت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية في كتابها الأبيض للدفاع الذي تصدره كل سنتين والذي - يحمل تقارير تتعلق بشؤون الدفاع والتسلح كما هو معمول به في مختلف دول العالم - أن القدرات الصاروخية لجارتها الشمالية أصبحت قادرة على إصابة أهداف داخل الأراضي الأمريكية، وجاء هذا التقرير الذي نشرته سيول بعد النجاحات التي حققتها التجارب الصاروخية لبيونغ يونغ، خاصة فيما يتعلق بصاروخ “أونها 3” الذي يصل مداه إلى 8 آلاف كيلومتر الذي أثبت فعاليته خلال تجارب نهاية 2012، وهذا بعد إخضاعه للعديد من المراجعات التقنية تلت التجربة الفاشلة لهذا الأخير شهر أفريل من نفس السنة، كما أن كوريا الشمالية - حسب الكتاب الأبيض - نجحت في إطلاق صاروخ آخر من نوع “تيبودونغ 2” يصل مداه إلى ما يقارب 10 آلاف كيلومتر وهي المسافة التي تسمح للأخير من الوصول إلى الأراضي الأمريكية وإصابة أهداف حيوية فيها.
الكتاب الأبيض لوزارة دفاع كوريا الجنوبية أشار كذلك إلى القدرات النووية لجارتها الشمالية التي قال إنها بلغت مستوى خطيرا وهذا بعد مرور ثماني سنوات على أول تجربة نووية أجرتها بيونغ يونغ العام 2006، والتي أحدثت حينها ردود أفعال دولية كبيرة وأدت إلى تشديد العقوبات الأمريكية والدولية عليها، إلا أن ذلك لم يمنعها من إجراء تجارب أخرى العام 2009 و 2013 على التوالي.
التقرير أضاف، أن المفاعل النووي الرئيسي في البلاد المتواجد في يونغبيون شمال العاصمة بيونغ يونغ يمكنه تزويد البلاد بـ 40 كيلوغرام من البلوتونيوم وهي كمية لا يستهان بها.
وفيما يخص القدرات العسكرية التقليدية لكوريا الشمالية جاء في الكتاب الأبيض لوزارة دفاع سيول، أن الأخيرة يصل تعداد قواتها المسلحة إلى 1.2 مليون جندي، أي ضعف التعداد البشري للقوات المسلحة لكوريا الجنوبية ونفس الشيء فيما يتعلق بالإمكانيات والآليات الحربية لمختلف الأسلحة كالمدفعية وسلاح البحرية وسلاح الجو أين يبلغ عدد الطائرات المقاتلة التي تمتلكها بيونغ يونغ 820 مقابل 400 طائرة مقاتلة لدى سيول.
يبقى وبإجراء مقارنة بسيطة اكتشاف الفرق شاسع بين ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من قدرات عسكرية وما تخصصه من أموال لشؤون التسلح والدفاع وبين كوريا الشمالية، حيث تبلغ الميزانية السنوية للبنتاغون الأمريكي 600 مليار دولار، أي ما يفوق ليس فقط الميزانية العسكرية لبيونغ يونغ ولكن ميزانيات دفاع العديد من الدول مجتمعة، ناهيك على أن سلاح الجو الأمريكي الذي يمتلك أكثر من ألفي طائرة مقاتلة، بينما يبلغ تعداد القوات المسلحة الأمريكية 1.4 مليون فرد أي بفارق يصل إلى 200 ألف جندي عن القوات المسلحة الكورية الشمالية.
إن هذه المعطيات، تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد فقدان هذا التفوق الاستراتيجي والحربي الذي مكّنها من الهيمنة على العالم، لهذا فهي تعمل على عدم ظهور أي قطب سواء كان اقتصادي أو عسكري ينافسها وهذا ما قد يفسّر الكثير من التطورات على الصعيد الدولي كانهيار أسعار النفط الذي يحمل بصمات أمريكية واضحة بهدف تدمير الاقتصاد الروسي أساسا، هذا الأخير الذي تضرّر كثيرا جراء ذلك، وإن كان هذا يخص الجانب الاقتصادي فهي تعمل عسكريا على مراقبة القدرات العسكرية غير التقليدية لكل من كوريا الشمالية وإيران وغيرها من الدول بهدف الحفاظ على هذه الهيمنة الأمريكية التي تريدها أن تبقى علامة أمريكية مسجلة.