ما تزال آثار الهجوم الإسرائيلي على مجموعة من أفراد حزب الله بالقنيطرة السورية بادية على قيادات هذا التنظيم، الذين هم بصدد نَعْيِهِم والتذكير بمناقبهم في الوقت أن هناك العديد من الخيارات المطروحة للرد على كل هذه الضربة الموجعة التي لم يتلقاها نصر الله منذ ٢٠٠٦.
مباشرة بعد الحادثة سجل تلاعب كبير من طرف الإعلام الإسرائيلي الذي كان يتساءل عن موقف حزب الله مما وقع. مدعيا “أن هناك ارتباكا في أوساط العسكريين والمدنيين بسبب هذه العملية، وأن الكل نزل إلى الملاجئ، والأدهى والأمر هنا أن جهات إسرائيلية ذهبت إلى حد القول، إنها لم تكن على علم بوجود ضابط إيراني كبير ضمن المجموعة المستهدفة وأشخاص لهم وزن عسكري تابعين لحزب الله!؟
هذا لم يمنع من الكشف عن “هدف” هؤلاء عندما قالت بأنهم كانوا يعدون لمهاجمة أهداف إسرائيلية، وتنصيب نظام صاروخي على الحدود، هذه الروايات لا أساس لها من الصحة، وهذا عندما تعرض حزب الله إلى عمل عسكري لم يتوّقعه أبدا في الأراضي السورية وهذا ما جعله يدرك حجم الانعكاسات المترّتبة عن ذلك في اتخاذ تدابير جديدة غير التي كانت في السابق.
هذا الذهول ما زال يخيّم على قيادات الحزب من نصر الله إلى آخر مناضل نظرا لهول الاعتداء وخسارة رجال صناديد في الميدان، لذلك فإن التحريات جارية لمعرفة هذا الاختراق الأمني، وغياب الحسّ العسكري لدى البعض من القياديين في عدم البقاء في مكان واحد لمدة طويلة، مع توّقع في كل لحظة هجوم،، هذا ما يقلق كثيرا نصر الله ومعاونيه الذين صمدوا صمودا بطوليا في ٢٠٠٦، ولم يتلقوا مثل هذه الخسائر الفادحة.
الحزب خرج اليوم من الصدمة النفسية، إلى اليقظة العسكرية وبعد أن دفن موتاه، يفرض خيار الرد نفسه بقوة ليس من لبنان، ولكن في مكان آخر، حتى لا يتهم مرة أخرى باتخاذ قرار الحرب دون استشارة الدولة المركزية كما حدث في ٢٠٠٦، بالإضافة إلى مراعاته للأوضاع الداخلية لهذا البلد.
في معركته ضد الجماعات المسلحة في عرسال، ولا يمكن أن يزج بالبلد في متاهات هو في غنى عنها، فكل جبهاته مفتوحة منها السياسية والأمنية خاصة، ومثل هذه الأوضاع الصعبة تتطلّب تفهما من قيادة حزب الله من أجل البحث عن الرد خارج لبنان وهذه الفرضية مطروحة بشكل حاد لدى هذا التنظيم، خاصة وأن الإرانيين تأثروا كثيرا لفقداهم لضابط برتبة جنرال كان رفقة جهاد مغينة وتحدثوا هم كذلك عن “الرد المدمّر”.
وإن كان للخطاب السياسي مكانة في كل هذه الحالات، فإن قائد المنطقة الشمالية لإسرائيل المنصّب حديثا. كان قد صرّح عند استلام مهامه بأن شغله الشاغل هو حزب الله، سيعمل من أجل لَيْ ذراعيه في المستقبل وهذا من خلال وضع حد لصواريخه، وخلال فترة وجيزة قال نصر الله أن للحزب صواريخ “طويلة المدى” قادرة على ضرب عمق اسرائيل كل الرهان يدور هنا، أي حالة موازين القوى في المنطقة من يستطيع اكتسابها وإدارتها في الأوقات الحاسمة.
حزب الله انتدب قواته إلى سوريا ومهما يكن فإنه لا يستطيع سدّ هذه الثغرة بكل هذه السهولة، ونفى بذلك رفضه فتح جبهة قتال أخرى مع اسرائيل، وإلا سيقع في الاستنزاف في العدة والعتاد، وتختلط عليه الأهداف التي استنفر من أجلها، علما أن الجبهة السورية أصبحت معقدة جدا وصعبة المنال بحكم اختلاط الأوضاع بشكل لا يطاق نظرا لتداخل عدة عوامل إقليمية، كان آخرها قرار الولايات المتحدة تدريب عناصر المعارضة بأعداد كبيرة إلى أين نحن ذاهبون؟
هذا يعني أن الحل ليس غدا في الوقت الذي تطرح روسيا مبادرة سياسية بين المعارضة والنظام، لإيجاد التسوية المطلوبة هذه المفارقات لا تبشّر بالخير أبدا، الكل اختار موقعة في ظلّ غياب الإجماع تجاه حل تحت إشراف مباشر،، وبدأت قناعة إيجاد المخرج تتلاشى كلية، ليكون السلاح سيد الموقف لحسم المعركة في الميدان.
لذلك أصبح حزب الله جزءا لا يتجزأ من صناعة الأحداث في المنطقة. ويدرك جيّدا أن انتصار المجموعات المسلحة سيضعف من كل هذه القوة التي اكتسبها في الميدان ويجعله في موقع لا يحسد عليه وهو على دراية تامة بمثل هذه القراءات، لذلك سارع إلى محاربة ومواجهة هؤلاء في عين المكان قبل دخولهم إلى لبنان وتقليص آذانهم.
لذلك فمن المستبعد أن ينسحب أو يراجع قواته في هذا الظرف بعد اشتداد المعارك في سرويا وتعرض رجاله إلى إصابات في مختلف المواقع !؟.
الكثير من الإسرائيليين اعتقدوا أن حزب الله سيقصف مستوطناتهم عقب مقتل مجموعة من قياداته العسكرية، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن وتساءل الكثير هل هذا ضبط للنفس أم مجرد معرفة ما حدث ؟ فكيف استطاعت طائرات عمودية إسرائلية ضرب المكان دون أي إزعاج وبكل هذه السهولة؟ هذا ما يؤرق حزب الله في الوقت الراهن خوفا من تكرار العملية مستقبلا وتلحق بالتنظيم خسائر أخرى في قيادات ميدانية لا يغامر بها لاحقا في مستنقع لا يضمن الخروج منه بسلام، ناهيك عن وجود عامل التقاط اتصالات قيادتهم فيما بينهم من طرف إسرائيل أو التبليغ بوجودهم من طرف جهات “مجهولة” هذا ما غاب عن نصر الله ومساعديه، مما جعله يفقد أعز الأشخاص إليه ألا وهو جهاد مغنية ابن عماد مغنية ومقاومين أشداء على اسرائيل.