ردّت القيادة الفلسطينية الصّاع صاعين عندما اعترضت الولايات المتّحدة على القرار القاضي بإنهاء الإحتلال على مستوى مجلس الأمن، وهذا بالتّوجه مباشرة إلى الأمم المتّحدة لتسليمها مجموعة الوثائق الموقّعة قصد الإنضمام إلى الإتفاقيات الدولية منها خاصة المحكمة الجنائية الدولية، في انتظار العودة ثانية إلى مجلس الأمن لإعادة طرح القرار.
وكل المؤشّرات الأولية كانت توحي بأنّ القرار سيفلت هذه المرة من الفيتو الأمريكي، إلاّ أنّ صوت نيجيريا قضى على أحلام الجميع، وانهار هذا الأمل للأسف. وقد استغرب الفلسطينيون لموقف نيجيريا هذا، وهم الآن بصدد الاستقصاء عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، كونهم لم يعتادوا على خرجة مثل هذه من بلد إفريقي.
ولم يجد الفلسطينيون خيارا آخرا سوى السّير على نهج إثبات الذات على الصّعيد الدولي، ورفض الرّضوخ لما تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكان قرار الذّهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية أقوى تأثيرا من النّاحية المعنوية على إسرائيل وحليفتها من قرار رفض إنهاء الاحتلال، بدليل أنّ نتنياهو جمّد تحويل أكثر من ١٠٠ مليون أورو للسّلطة الفلسطينية، كما تعمل الولايات المتحدة على توقيف مساعدة تقدّر بـ ٤٠٠ مليون دولار، وهي عقوبات ذات أبعاد سياسية انتقاما على هذا التحرك الفلسطيني، لتعقيد الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية لهذا الشّعب.
وبالرّغم من التّرحيب الذي لقيه قبول دولة فلسطين كعضو ١٢٣ بالمحكمة الجنائية الدولية من قبل الأمين العام للأمم المتّحدة بان كيمون مبلغا دول الأعضاء بذلك، ومن طرف رئيس جمعية الدول الموقّعة لمعاهدة روما، غير أنّ التّصريحات الصّادرة عن النّاطقة باسم الخارجية الأمريكية تثير الدّهشة والإستياء في آن واحد، عندما ادّعت بأنّ الفلسطنيّين غير مؤهّلين للإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، مضيفة: “لا نعتقد أنّ دولة فلسطين تعتبر دولة ذات سيادة”.
وبانضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية، يكون هناك فصل جديد وسقف حاسم من العمل الدبلوماسي قد تحقّق من النّاحية الإجرائية، يبقى الآن ولوج مرحلة حسّاسة جدّا ألا وهي متابعة عصابات الكيان الصّهيوني على مستوى هذه المؤسّسة من خلال ملفات موثقة تستقبل بدءا من شهر أفريل القادم.
وسيجد الصّهاينة أنفسهم متابعين أمام هذه المحاكم في الآجال القادمة، خاصة الضباط المجرمين الذين دمّروا غزة عن آخرها باسم حملات عسكرية قادوها بأنفسهم، مستعملين أسلحة محرّمة دوليا، وأعداد الشّهداء الذين قتلوا في هذه الهمجية قوائم موجودة سيدفع الضباط الذين أحيلوا مؤخرا على التقاعد أو الذين مازالوا في الخدمة ثمنا باهضا جزاء ارتكابهم جرائم حرب ومجازر إبادة ضد الفلسطنيين.
ويدرك الإسرائليّون أنّ المحكمة الجنائية الدولية سلاح فتاك في أيدي الفلسطينيّين هذه المرة، لذلك سارع نتنياهو إلى القول بأنّه “سيحمي جنوده من الوقوف أمام هذه المحكمة”، والأدهى والأمر هنا أن هناك “منظّمات صهيونية” تريد إحالة مسؤولين فلسطينيين على هذه المحكمة بدعوى “إطلاق الصّواريخ”، وهذه المفارقات الغربية في السياسة الخارجية الإسرائيلية وقادتها الذين حرّكوا أدواتهم لإلهاء الرأي العام العالمي، وحتى تغليطه تجاه ما يجري في فلسطين من اعتداءات يومية على هذا الشّعب، وضمن هذا الإتجاه وجّه صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين رسالة واضحة المعالم، مفادها أنّ عهد محاسبة إسرائيل ومساءلتها قد انتهى. وفي نفس السياق أضاف: “أنّنا سنركّز على قضيتين أولا العدوان الفلسطيني في غزة والجرائم المرتكبة ومسألة الإستيطان”.
وهذه الورقة التي افتكّها الفلسطينيّون في خضم كل هذه الضّعوط الدولية، ستعمل مستقبلا بقوة ضد الإسرائيليين قصد استفزازهم أكثر وإعادتهم إلى صوابهم بعد كل هذه الغطرسة والعنجهية التي يتّصفون بها، معتقدين بأنّ لا أحد يردعهم، اليوم يوجدون في مأزق حقيقي في ملاحقتهم قضائيا، ومنعهم حتى من السّفر.
هذا ما ينتظر هؤلاء في أقرب وقت، كما جرى مع ليفني وغيرها.