تقول النّظرية النّسبية لصاحبها إسحاق نيوتن “لكل فعل رد فعل مساوله في المقدار مضاد له في الاتجاه”، ويمكننا إسقاط هذه القاعدة على التّعامل في العلاقات الدولية، حيث أنّ علاج الإنحرافات يكون صعبا إن لم يكن مستحيلا إذا ما تجاهلنا المسبّبات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال معالجة خطأ بخطأ أكبر منه فيصبح الجميع خطّاؤون وسلوكاتهم مدانة
فهناك ممارسات إرهابية مورست بالعديد من البلدان، ودفع مواطنوها الثّمن غاليا سميت ظلما وبهتانا وتزويرا “تيارات جهادية” لأجل تغيير أنظمة الحكم بالقوة، وتمّ الخلط بينها وبين الجهاد الحقيقي المشروع ضد الإحتلال أو ضد أي عدوان مسلّح.
وأصبح البعض ينتهج سياسة التّخويف من الإسلام والإسلاميّين، وتوظيفه لإقناع العامة من الشّعوب بحتمية استمرار العدوان على الإنسان المسلم والدين الإسلامي والأرض الإسلامية، وهذه كلّها عوامل خلقت ردود فعل تحمل ضغينة وحقد مساوية للنّظرة الاحتقارية للمسلمين عند بعض المتطرّفين المحسوبين خطئا على الاسلام.
لا للإنتقائية
إنّ العمل الإرهابي مدان بجميع المعايير والمقاييس سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب أشخاص، سواء كان المنفّذون المخطّطون مسلمين أو مسيحيّين أو يهود أو غيرهم، فحادثة الهجوم الإجرامي الدموي على مقر صحيفة “شارلي إيبدو” السّاخرة، التي خلّفت مصرع ١٢ صحفيا، أدانها العالم في مسيرات الأحد عبر التّراب الفرنسي، شارك فيها ثلاثة ملايين وسبعمائة فرنسي، منهم مليون ونصف في مسيرة باريس وحدها، وشارك فيها زعماء أكثر من أربعين دولة، كما أدانت العديد من البلدان الحادثة بمسيرات تضامنية، وكذا فعلت المنظّمات الإسلامية في الغرب من منطلق أنّ الإسلام يوجب إدانتها (المسلم من سلم النّاس من لسانه ويده)، (من قتل نفسا بغير حقّ فكأنّـما قتل النّاس جميعا). وتكسب الإدانة قيمتها وفعاليتها عندما تمارس، ولكن مع الأسف هناك جماعات إرهابية من ثمانين دولة ترهب السّوريين باسم الإطاحة بالنّظام السّوري، ولكن انقلب السّحر على السّاحر، فهناك عدد من الإرهابيّين الغربيّين رجعوا إلى بلدانهم الأصلية ويمارسون بها العنف والإرهاب، وهو ما أكّده وزير الداخلية الفرنسي بقوله أنّ المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق ساعدوا على انتشار الإرهاب.
إنّ مسيرات الجمهورية الدّاعمة للضّحايا ولحرية تعبيرهم يجب أن لا تنسى أيضا حرية المعتقد، كون حرية الشّخص تنتهي عند بداية حرية الآخرين، وذلك بالابتعاد عن الإساءات الاستفزازية لرموز الأديان والأنبياء والرّسل والمقدّسات، فنسبة المسلمين بفرنسا تمثّل ١٠ ٪ من السكان أي حوالي ستة ملايين مسلم، ظهر منهم شخصان متطرّفان أي بنسبة واحد في المليون تقريبا، ولذلك على أصحاب القرار في جميع الدول معالجة القضايا الشّائكة والأزمات المستعصية عبر الحوار، وليس باستخدام القوة والعنف لأنّ العنف لا يولّد إلاّ العنف.إنّ الإرهاب لا يعرف الحدود، وليس له جنسية أو وطن، لذلك يجب أن تزول ازدواجية النّظرة إليه، ففي الماضي القريب مارست إسرائيل عدوانها على غزة بالطّائرات والصّواريخ، فقتلت المئات وهدّمت المباني على قاطنيها، ولم تفرّق في ذلك بين صبي أو شيخ هرم أو امرأة عجوز، واليوم نجد قادتها في الصّفوف الأمامية في مسيرة الجمهورية بباريس دفاعا عن حرية الصّحافة، وتنديدا بالإرهاب الذي حصد أرواح ١٧ فرنسيا منهم أربعة يهود.وهناك دول عربية أخرى تعرّضت للاحتلال والعدوان، ومع ذلك لم نجد تضامنا دوليا معها. إنّ التّضامن مع ضحايا الإرهاب عمل إنساني، فبالإضافة إلى المسيرات التي نظّمت عبر تراب فرنسا تكريما لصحفيّي “شارلي إيبدو”، أقام إعلاميّون عرب وقفات تضامنية ببلدانهم.
لا لإساءة الأديان
في هذا الإطار، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط، إلى وضع تشريعات دولية من قبل الأمم المتّحدة للحدّ من أيّة إساءة للأديان، محذّرا من أنّ العملية الإرهابية في فرنسا سينتج عنها موجة من التّعصب والتّمييز العنصري والديني، لا مثيل له في أوساط اليمين الغربي تجاه الجاليات المقيمة هناك، وما ينجرّ عنها من ردود فعل قد تهّدد الأمن والسّلم الدوليين.