احتفل الفلسطينيون بالذكرى الخمسين لانطلاق الثورة التحريرية العام 1965 وهي ذكرى تدل بكل بوضوح على أن وهيج نضال هذا الشعب من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين لم يفتر على مدار هذه السنين الطوال التي طالت معها معاناة هذا الشعب من ممارسات شاذة لاحتلال صهيوني استيطاني تدعمه الامبريالية العالمية.
هذه الذكرى كانت فرصة لتؤكد الجزائر مرة أخرى مساندتها المطلقة حكومة و شعبا لهذه القضية و غيرها من القضايا العادلة الأخرى عبر العالم و جاء ذلك في شكل محاضرات و تظاهرات على غرار المحاضرة التي نظمتها الاثنين بالمناسبة المدرسة العليا للعلوم السياسية حول مستقبل الدولة الفلسطينية و التي أدارها مدير المدرسة الدكتور امحند برقوق و نشطها الدكتور حمود صالحي ( جامعة كاليفورنيا) المختص في شؤون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا الذي أجرت معه “الشعب” هذا الحوار الذي تطرق الى زوايا عدة تهم قضية كل العرب و المسلمين و كل الأحرار و الشرفاء في هذا العالم.
«الشعب” : كيف تنظرون الى الجهود الفلسطينية لدى مجلس الأمن لإعلان الدولة و انهاء الاحتلال الصهيوني ؟
الدكتور حمود صالحي: إنها خطوة ايجابية تندرج في اطار إعطاء نفس جديد في التعامل مع القضية والخطوة تعد مكسبا للشعب الفلسطيني على اساس أن عضوية مجلس الأمن ستكون تتويجا لخطى سابقة للحصول على هذه العضوية التي ستمكن الفلسطينيين من المساهمة في كل نشاطات المجلس والجمعية العامة الأممية والحصول على حق التصويت وهذا هو لب المسعى إلا أنه و بحكم الموقف الامريكي فإن احتمال نجاح هذا المسعى يبقى ضئيلا للغاية في الوقت الراهن على الأقل.
لكن ما هو الدافع وراء هذا الموقف الأمريكي الرافض للخطوة ؟
هناك الكثير من الأسباب إلا أن الدافع الأول هو أن الولايات المتحدة الامريكية ترى أن التوجه جاء خارج إرادتها خاصة وأنها تعتبر أن أي خطوة تتعلق ببناء السلام بين الكيان الصهيوني وفلسطين يجب أن يكون وفق رغبتها وتحت وصايتها وعليه فهي ترى ان الطرف الفلسطيني مطالب بالعمل على حل الصراع مع حليفتها اسرائيل وبذلك فقط يمكن لفلسطينيين أن تكون لهم دولة تعترف بها الولايات المتحدة وإن كان هذا الجانب المعلن، فإن هناك دوافع خفية للموقف الامريكي وهي أن الولايات وفي تواطؤ خبيث مع اسرائيل تعمل على إلغاء كل ما يتعلق بالشرعية الدولية في هذا الصراع وتريد أن تختصره في ثنائية فلسطيني-إسرائيلي على غرار ملف عودة اللاجئين الذي تريده وفق هذه المعادلة لعدم اجبار اسرائيل على الامتثال للقانون الدولي فالولايات المتحدة باختصار لا تريد ان تسمع عبارة دولة فلسطينية وهذا لا يقتصر على الادارة الأمريكية فقط و لكن حتى وسائل الإعلام الامريكية تتحاشى ذكر مصطلح دولة بل إنها أسقطت كلمة “وطنية” من مسمى السلطة الفلسطينية وهذا طبعا لإلغاء رمزية الوطنية والانتماء و يتجلى ذلك في الالقاب التي كانت تطلق على الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات بالانجليزية (شيرمان) و التي تعني مجرد رئيس لا يمثل أي شرعية و ليس لديه أي خلفية شعبية وهذا وفق تصور أشمل يعطيه الإعلام الغربي الصهيوني الذي يقدم الفلسطينيين على أنهم شعب لا يملك وطنا و أن الدول العربية مطالبة بإيوائهم واستقبالهم واعتبارهم من مواطنيها.
دعم أمريكي لامشروط
ولكن كيف يستمر هذا الدعم الأمريكي اللامشروط رغم تعنت اسرائيل و تراجع لوبياتها في الولايات المتحدة ؟
هناك بالفعل تراجع لتلك اللوبيات و لكن ليس إلى حد التقليل من نفوذها و أثرها على دواليب صناعة القرار في الولايات المتحدة و لكن و بالمقابل هناك شيء يستحق التوقف عنده و هو أن أسطورة اللوبي الإسرائيلي الذي لا يهزم تراجعت و أصبح مفعولها أضعف و من أحد أسباب هذا التراجع هو ما قام به الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية و خاصة الانتفاضة الأولى التي استطاعت ان تقدم الفلسطيني كإنسان لا يختلف عن الآخرين حيث كان هذا الأخير مغيبا تماما في الصورة التي تعطيها وسائل الإعلام الأمريكية التي تكتفي بتصوير الطرق و البنايات وهذا عكس ما تعطيه عن الاسرائيلي الذي تقدمه على أنه انسان مسالم يواجه وحشية العربي الفلسطيني المطبوع على العنف فطريا، إلا أن الانتفاضة استطاعت إدخال الفلسطيني إلى البيوت الأمريكية و استطاع المواطن الامريكي الاطلاع على الصورة الحقيقة لهذا الفلسطيني الذي تمارس حملات تشويه وشيطنة.
هذا من ناحية و من أخرى فقد أدت الهجمات الاسرائيلية و اعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين الى حصول أثر عكسي حيث رأينا في السنوات الماضية ان العديد من نجوم هوليوود اتخذوا مواقف صارمة من السياسة العدوانية الاسرائلية و على غير العادة في السابق لم يستطع اللوبي الصهيوني الضغط من أجل حرمان أولئك من الحصول على أدوار رئيسية في الافلام الهوليودية وعلى غير العادة لم يتعرضوا لحملات التشويه و التجريح بل أكثر من ذلك أصبحت آراء المناصرين و المساندين للقضية الفلسطينية تنشر بكل حرية في وسائل الإعلام الأمريكية.
كيف تنظرون الى المسعى الفلسطيني للحصول على عضوية محكمة الجنايات الدولية؟
في الواقع هناك احتمال ضئيل لحصول ذلك بسبب الاعتراض الأمريكي وهذا رغم ان الولايات المتحدة لم توقع على الاتفاق المؤسس للمحكمة وهي قادرة على وضع قيود وممارسة ضغوط لإجهاض المسعى وقد سبق لها وان أجهضت مسعى منظمة التحرير الفلسطينية العام 1988 لعضوية منظمة الصحة العالمية وهدّدت الأخيرة بقطع التمويل عنها في حال قبول عضوية فلسطين ولكن و من حيث المبدأ تعتبر خطوة طلب الانضمام الى الجنائية الدولية في حد ذاتها شيئا إيجابيا.
كيف ذلك، علما أن اسرائيل أعلنت على لسان نتانياهو أنها لن تقبل بمثول جنودها أمام هذه المحكمة ؟
هذا يدل على تخوف اسرائيل من احتمال متابعتها ككيان كلي بما فيه جيش الاحتلال، فبإمكان الجنائية الدولية ان تتحرك في حال صنفت الممارسات الاسرائيلية في خانة الجرائم ضد الانسانية وهنا تصبح اسرائيل مجبرة على القبول بمثول مجرميها أمام المحكمة الجنائية الدولية وهذا رغم عدم إمضائها على اتفاق إنشاء هذه المحكمة و يكفي أن إحدى الدول الأعضاء يمكنها اللجوء الى المحكمة عن طريق مجلس الأمن الذي يوصي الجنائية الدولية بالتقصي و عندها يمكن مقاضاة الطرف المشتكى منه بصفته عضو في الهيئة الأممية و ليس في الجنائية الدولية وهذا ما جرى في الحالة السودانية حيث استصدرت مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بطلب من الولايات المتحدة و هذا رغم ان الولايات المتحدة و السودان لم يوقعا على اتفاق إنشاء محكمة الجنايات الدولية.
القضية الفلسطينية فرضت وجودها
ما هو مستقبل الدولة الفلسطينية الذي شكل محور المحاضرة التي ألقيتموها ؟
لقد فرضت القضية الفلسطينية وجودها في العالم كله و اليوم هناك اطلاع واسع على القضية و على مستويات متعددة تجلّت في المساندة المتزايدة للمجتمع المدني الدولي بما فيها الاعترافات الأخيرة للعديد من البرلمانات الأوربية، الأكيد ان هناك تغير واضح للرأي العام العالمي اتجاه ما تقوم به إسرائيل من ممارسات وحشية في حق الفلسطينيين والذي يتبين من خلال ما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي.
ان هذه الإشارات الايجابية تتطلب التفكير في اعادة بناء القضية الفلسطينية على أرضية جديدة تؤدي في آخر المطاف الى انهاء الاحتلال الصهيوني كما يجب ان تستغل السلطة الفلسطينية هذا التوجه الايجابي لحل الخلافات الفلسطينية و هذا قد يعني العودة إلى الشارع الفلسطيني والى المؤسسات و الحركات الوطنية الفلسطينية وادخالها في حوار ديمقراطي حول مستقبل وآليات دفع مسار التحرر الوطني وقد يشكل فشل المفاوضات و المأزق الذي توجد فيه القضية الفلسطينية اليوم الدافع لإعادة النظر في اتفاقيات السلام المجحفة مع إسرائيل بنحو ينصف الفلسطينيين أكثر وكذا لإيجاد طرق أفضل لخدمة القضية الفلسطينية.
بورتريه:
الأستاذ الدكتور حمود صالحي (مختص في شؤون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا)
نائب عميد كلية العلوم التطبيقية والاجتماعية بجامعة كاليفورنيا
أستاذ العلاقات الدولية والسياسة المقارنة بجامعة كاليفورنيا
وأحد مؤسسي “راديو الانتفاضة” سابقا التي تهتم بقضايا الشرق الأوسط، جنوب آسيا وشمال إفريقيا.
أستاذ زائر بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية (جامعة الجزائر 3).