يبدو أن أزمة شمال مالي في طريق الحل، حيث نال مشروع اتفاق السلام الذي هندسته الدبلوماسية الجزائرية تزكية كل الأطراف ما يعني أن التوصل إلى هذا الاتفاق أصبح وشيكا وقد يدشن الماليون العام الداخل بمرحلة جديدة يطبعها الاستقرار وزوال الخوف والتوجسات من المستقبل الذي كان يبدو بالأمس القريب ضبابيا، حيث كان شبح التقسيم يهدد الوحدة الشعبية والترابية لهذا البلد الإفريقي.
ويتأكد بهذا أن الحلول الدبلوماسية والسياسية هي الأنجع والأقل تكلفة لحل مشاكل القارة السمراء.
إن الجزائر كانت سباقة منذ الوهلة الأولى لبداية ما عرف بأزمة شمال مالي بالدعوة إلى تكثيف المجهودات الدبلوماسية لوقفها حين لم ير الآخرون الخطر يتقدم والأوضاع تتفاقم ليقع الأسوأ، وهو استيلاء جحافل إرهابية متعددة الجنسيات على شمال مالي. التي سارعت إلى اختطاف دبلوماسيين جزائريين يعملون في قنصلية غاو بهدف الضغط على الجزائر من أجل تغيير مواقفها أو استدراجها إلى مواجهة خارج حدودها وهو الشيء الذي يتنافى مع العقيدة العسكرية للجيش الوطني الشعبي ومع مبادئ الدبلوماسية الجزائرية التي تقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين وتفضيل الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمات.
إن هذه الآلة الإرهابية ومن يقف وراءها لم تتوقف عند هذا الحد حيث حاولت مرة أخرى إقحام الجزائر في ألاعيبها ومخططاتها محاولة هذه المرة ضرب داخل التراب الوطني بهجوم إرهابي استهدف القاعدة الغازية بتغنتورين في عين امناس ولكن المخطط القذر لإركاع الجزائر فشل مرة أخرى كما فشلت محاولات مساومتها وكانت النتيجة عكس تطلعات الرؤوس المدبرة للإرهاب الدولي.
هذه الحملة الشعواء التي طالت الجزائر ومواقفها المتوازنة في العلاقات الدولية لم تفلح في تحييدها من المشهد المالي الذي يقع بطبيعة الحال في صميم أمنها القومي ولم تزدها إلا تصميما على الاستمرار في العمل من أجل تسوية سلمية ودائمة لهذه الأزمة لمنع ازدياد الفجوة بين أوصال الشعب والوطن الواحد وإنهاء المناطق الرمادية التي تستغلها الجماعات الإرهابية وتحولها إلى معسكرات لها لتنفيذ مخططات استهداف استقرار الدول والحكومات التي لم تعد تخفى على أحد.
إن كرونولوجيا الأحداث تبين أن التوصل الوشيك إلى اتفاق سلام في مالي لم يكن شيئا سهلا بل كان مسارا طويلا وشاقا أبلت فيه الجزائر البلاء الحسن، كما تبين أن النوايا الحسنة هي التي تنتصر في الأخير وأن لغة العقل والحوار هي الأفضل لحل الأزمات مهما كانت معقدة وشائكة وتجارب التاريخ أثبتت أن كل المواجهات والنزاعات انتهت بجلوس فرقائها على طاولة واحدة للمفاوضات فلماذا الاستمرار في معادلة الدمار المتبادل الأكيد ؟ !. وهي المعادلة التي لاتزال للأسف الشديد سائدة في ليبيا التي قد تجد في النموذج المالي معالم طريق يسير بها نحو المصالحة والسلام.