لبنان مقبل على انفراج سياسي حاسم، وهذا بعد أن وافق تيار المستقبل الدّخول في حوار مع حزب الله في غضون الأيام القادمة، بوساطة من الشّخصيتين نبيه بري ووليد جنبلاط.
وتأتي بوادر هذا الحوار عقب جفاء طال أمده بين التّشكيلتين نظرا لتباعد المواقف تجاه القضايا الداخلية والخارجية وبلوغ السجال إلى درجة التشنج في كثير من الأحيان من خلال إطلالة مسؤولي المستقبل عبر وسائل الإعلام باستعمال خطاب مباشر تجاه “خصمه السياسي” تميز أحيانا بالقوة، وهذا عندما اعترض حزب الله على انتخاب رئيسا جديدا، وكذلك ذهاب قواته في مغامرة حربية إلى سوريا.
لم يتوان مسؤولو تيار المستقبل في مطالبة نصر الله بإلحاح على الخروج من سوريا فورا، خاصة مع التّوازن العسكري الذي أحدثته كتائبه عندما كان الجيش الحر في كامل قدراته في امتلاك زمام المبادرة في الميدان.
هذا هو الخلاف الجوهري بين الطّرفين، ناهيك عن المسائل ذات الصلة بالداخل التي من الصّعوبة بمكان أن تحل في لقاء بين الزّعيمين سعد الحريري ونصر الله، وإنّما تتطلّب وقتا طويلا مرجعيتها اتّفاق مكتوب يوقّعه الجانبان أو الالتزام شفاهيا بمواصلة الاجتماعات في وقت لاحق خاصة مع المواعيد الحسّاسة التي تنتظر البلد، وعدم العودة إلى الحرب الكلامية والحملات الإعلامية كما كان الحال في السّابق.
هذه التّهدئة بادر بها حزب الله في الخطاب الأخير لأمينه العام، الذي وجّه دعوة صريحة لتيار المستقبل قصد الجلوس إلى طاولة الحوار والبحث في الملفات التي ما تزال حقا تعرقل الذهاب إلى أفق أخرى، والتخلص من الانسداد الذي أصاب البلد جراء التّعنّت المسجّل منذ فترة طويلة.
ولم يدل نصر الله بمثل هذا التّصريح من موقع ضعف، بل يعتبر نفسه شريكا مهمّا في صناعة الأحداث، ومن مسؤوليته أن يساهم إلى جانب فاعلين آخرين في تزويد لبنان لكل آليات التّصدي للمؤامرات المحاكة ضدّه.
ومن جهته، فإنّ تيار المستقبل يفهم تفهّما كاملا هذه الرّسالة، شعورا منه كذلك بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. ولا يتعلّق الأمر هنا بالحوار الديني أبدا أي بين السنة والشّيعة، وإنما الأولوية تمنح لإنقاذ البلد من كل المخاطر كانتخاب رئيس جديد للبنان، بعد أن غادر ميشال سليمان منصبه منذ ٢٤ ماي ٢٠١٤، ومنذ ذلك التّاريخ والشّغور سيّد الموقف.
إلى يومنا هذا، حوالي ١٦ مرة ومجلس النواب يفشل في اختيار الرئيس بسبب عدم اكتمال النّصاب، أحدثه كل من حزب الله والتيّار الحر وتشكيلات أخرى تمكّنت من تعطيل الجهاز التّشريعي لكل هذه المدّة، وفي كل مرّة يشتدّ الصّراع بين جعجع وعون، ويؤجّل كل شيء إلى إشعار آخر..هكذا سار لبنان منذ أن رحل سليمان عن قصر الرّئاسة، واستلم تماما صلاحيته قصد ضمن السّير الحسن لمؤسّسات الدولة.
ونستشفّ من تصريحات الحريري مؤشّرات تفاؤل تجاه هذا الحوار، وهذا عندما يتحدّث عن وضع حدّ للاحتقان ومصلحة اللّبنانيين، والتّفاهم حول رئيس توافقي. هذا خطاب جديد لدى تيار المستقبل، في حين تفادى الحديث عن القضايا الإقليمية وبالخصوص سوريا حفاظا على مسار الحوار من كل التّأثيرات الخارجية، والإكتفاء بموضوع واحد ألا وهو الرّئاسيات، وكيفية إيجاد الحلول التّوافقية في ظرف كهذا. ويتوقّع المتتبّعون لقاءً هاما بين الحريري ونصر الله بعد اجتماع الخبراء لإنهاء هذا الجفاء السياسي، وعودة التّطبيع إلى البلاد واستئناف عمل المؤسّسات.
وحسب مصادر إعلامية لبنانية، فإنّ برّي وجنبلاط سيشرفان على هذا الحوار وإدارته عنذ الضّرورة، وبإمكانهما التدخّل من أجل الحفاظ على مساره خاصة ما تعلّق بالنّقاط المتّفق على إثارتها.