بدأ الغرب يهتمّ بالقارة الإفريقية قبل ربع قرن من أجل نفطها، بالرّغم من أنّ النّفط ظهر بها قبل أكثر من نصف قرن لاسيما بعد استخدام البترول سلاحا سياسيا عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣، والتي دفعت بالغرب وخصوصا أمريكا إلى الاهتمام أكثر بالنّفط العربي والإفريقي، وعلى الخصوص منطقة جنوب الصحراء حيث سعت ثلاث شركات من أكبر شركات النّفط في العالم إلى إنفاق ٨٠ ٪ من ميزانيات التّنقيب لديها في القارة السّمراء منذ التّسعينات.
يتمتّع النّفط الإفريقي بعدة ميزات، الشيء الذي جعله مصدر اهتمام الغرب حسب كتاب “التّكالب على نفط إفريقيا” لمؤلّفه جون حسين جازفينان، والذي ترجمه أحمد محمود بالقاهرة.
من ميزاته أنّه من النّوع الخفيف وسهل للاستخراج والتّكرير، وموجود بمناطق بحرية بعيدة عن اليابسة ممّا يسهّل تعبئته ونقله عبر السّفن إلى موانئ أوروبا وأمريكا بعيدا عن المخاوف من سرقته أو صعوبة تسويقه نتيجة الاضطرابات السياسية وحروب الدّول المنتجة له.
كما أنّ الدول المنتجة له توفّر بيئة تعاقدية جيدة إلى حد كبير لأنّ معظم الدّول الإفريقية يتم التّعاقد معها على أساس اتّفاقيات الشّراكة في الإنتاج، بالإضافة إلى أنّ معظم الإكتشافات الحديثة تمّت في دول ليست عضوة في منظمة الدول المصدّرة للبترول، وبالتالي فهي لا تخضع للقيود الصّارمة على الإنتاج.
فالنّفط الإفريقي ظهر في العشريتين الأخيرتين بكثرة، إلاّ أنّ فرص العمل أقل بكثير في دول إفريقيا عمّا وفره ذلك الإنتعاش في الولايات المتّحدة وأوروبا.
فالاستثمار في مشروعات النّفط الإفريقي لا يتجاوز ٥ ٪ من المليارات، في حين يذهب الباقي إلى تطوير آلات الإستخراج وصناعة السّفن وخطوط النّقل وغيرها، وتبقى البيئة المحيطة بإنتاج النّفط في وضعية بائسة.
نيجيريا..سابع أكبر منتج للنّفط
ظهر البترول في نيجيريا مبكّرا إلاّ أنّ سكانها يعيشون عيشة ضنكا كونها لم تحسن استغلال ثرواتها النّفطية استغلالا عقلانيا، وقد صنّفها البنك الدولي على أنّها واحدة من الدول العشرين الأكثر فقرا في العالم بالرغم من إنتاجها أكثر من مليوني برميل نفط يوميا، أي أنّها سابع أكبر دول العالم إنتاجا للنفط!
ويعيش ٧٠ ٪ في دلتا النيجر التي يستخرج منها النّفط بنسبة ١٠٠ ٪، وبعد أن كانت عملتها (ناير) يعادل ٤ دولارات أمريكية أصبحت ٤ دولارات تساوي أكثر من ألف ناير!
والخلاصة أنّ الإضطرابات العرقية والانقلابات والفساد جعلت ٨٠٪ من عائدات النّفط والغاز في نيجيريا تعود إلى 1٪ فقط من السّكان، في حين يعيش الباقي الفقر المدقع.
الغابون..الإستيراد بدل الانتاج
هناك صورة أخرى من صور تأثير عائدات النّفط سلبا على مدى نجاح إدارة الدولة مثلما هو الحال عليه في دولة الغابون، التي وجدت نفسها فجأة تحصد ملايين الدولارات بلا جهد، أي أنّها أصبحت تفضّل العائد الضّخم الآتي من البترول، وبذلك تحوّلت من الإنتاج المحلي إلى الاستيراد شبه الكامل من الخارج، ومن ثم الإنفاق ببذخ والعيش في رفاهية، لكن عندما ينخفض الوارد من سعر النّفط تدخل البلد في أزمة حقيقية سواء في المنتوجات الزّراعية ذات الإستهلاك الواسع أو المنتوجات الصّناعية، فقد كانت الغابون مثلا مكتفية ذاتيا من الموز لكنّها بعد اكتشاف النّفط أصبحت تستورده من البلد المجاور الكاميرون، وهو ما يثبت فشل إدارة الموارد بهذا البلد.
التشاد..الحالة الميؤوس منها
على الرّغم من أنّ التشاد واحدة من أفقر الدول على ظهر الأرض، إلاّ أنّ البعض يعتبرها نموذجا لإدارة الموارد النّفطية النّاجحة في بلد إفريقي، فقد كانت ستمدّ خط أنابيب وتثبت لإفريقيا أنّ النّفط يمكن أن يكون نعمة لا نقمة بالنسبة للشّعب والدّولة، لكنها لم توفّق في ذلك، فمأساتها خانقة والتّنمية بها تكاد تنعدم، في حين أنّ مساحتها الجغرافية ضعف مساحة فرنسا، ويعيش ثلاثة أرباع سكّ٠انها بأقل من دولار واحد في اليوم، إضافة إلى العنف العرقي والدّيني الذي مزّقها، وهو ما يجعل موارد النّفط أداة للصّراع بدلا من التّنمية.