لبنان بدون رئيس مند نصف عام

عندما تطغى الحسابات السّياسية على المصلحة الوطنية

فضيلة دفوس

في سابقة تعكس مدى خطورة  الانسداد السياسي الذي يعيشه مند نصف عام بسبب شغور مقعد   رئيس الجمهورية، لم يحيي لبنان السبت الماضي ذكرى استقلاله الحادي والسبعين من خلال العرض العسكري التّقليدي السّنوي،واستعيض عن هذا الاحتفال المركزي باحتفالات مناطقية أقيمت في ثكنات عسكرية تخلّلها وضع أكاليل الزهر على نصب شهداء الجيش، فيما اكتفى التّلفزيون الرّسمي ببثّ النّشيد الوطني في الثامنة مساء.

أزمة الفراغ الرّئاسي التي تطوي شهرها السادس في لبنان، جعلت  رئيس الحكومة تمام سلام الذي يتولّى تسيير شؤون البلاد، يصدر في ذكرى الاستقلال عن الانتداب المصادفة لـ 22 نوفمبر 1943، أمرا بإلغاء الاحتفالات الرّسمية التي تقيمها الإدارات العامة والسّفارات والبلديات، لتغيب الفرحة   لأول مرة منذ اتّفاق الطّائف الموقّع عام 1989 عن بلد الكرز، الذي ينتظر منذ أشهر إجماعا وطنيا يقود إلى انتخاب رأس للدولة يمثل رمزيتها الوطنية والدستورية، ويحمي صيغة العيش المشترك الدستورية والوفاق الوطني والتّكامل الطّائفي التي قامت عليها دولة الاستقلال، ما يجعلها اليوم في حالة من الضّعف والهشاشة، عرضة للتّجاذبات الداخلية المدمّرة وللتّهديدات
والعواصف المحيطة المزلزلة.

 شغور وانسداد

يوم الأربعاء الماضي، أخفق البرلمان اللّبناني مرة أخرى في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في 25 ماي الماضي، بسبب عدم اكتمال النّصاب القانوني للتّصويت الذي يمثل 86 نائبا من أصل 128 نائبا، وتأجّلت جلسة الانتخاب  المقبلة إلى العاشر ديسمبر المقبل.
عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية للمرة السادسة عشرة منذ أفريل الماضي، يرجع بالأساس إلى ذلك الشّرخ السياسي الحاد الذي يقسم النواب بين مجموعتين أساسيتين، قوى “14 آذار” وأبرز أركانها سعد الحريري وسمير جعجع المرشّح إلى رئاسة الجمهورية، وقوى “8 آذار” وأبرز أركانها حزب الـلّه والعماد ميشال عون مرشّح هذه المجموعة إلى الرئاسة، وكل مجموعة تريد أن يفوز مرشّحها بالرّئاسة أو تعطّل الانتخاب.
 ولا تملك أي من الكتلتين الأغلبية المطلقة، وبينهما توجد كتلة ثالثة صغيرة في البرلمان مؤلّفة من وسطيين ومستقلين لكنها عاجزة عن تحقيق أي توازن أو إنقاذ السّفينة وإخراجها إلى برّ الأمان.
ويأتي الفشل الجديد في انتخاب الرّئيس، بعد نحو أسبوعين على تصويت مجلس النّواب بأغلبية أعضائه على تمديد ولايته لسنتين وسبعة أشهر بعد تعذّر إجراء الانتخابات النيابية على خلفية الصّراع السياسي في البلد الذي يعاني ارتدادات الأزمة في سوريا.
ويتعرّض لبنان إلى هزّات أمنية متتالية ناتجة عن تداعيات هذه الأزمة، كان آخرها معركة استمرت ثلاثة أيام بين الجيش اللبناني ومجموعات إرهابية في طرابلس بشمال لبنان، أسفرت عن استشهاد 16 شخصاً هم 11 عسكرياً وخمسة مدنيين، إضافة إلى مقتل عدد لم يحدّد من المسلّحين.
وأمام الوضع الخطير الذي يعيشه لبنان الذي تحوّل إلى ساحة صغيرة للنّزاعات في المنطقة، دعا مجلس الأمن الدولي
والرئيس الأمريكي مجلس النواب إلى تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن، معتبرين أنّ الفراغ الرئاسي له تأثير سلبي جداً.

ألغام الفتنة

الفراغ الرئاسي الذي يعيشه لبنان هو الثاني مند ربع قرن، حيث شهد سنة 1989 ــ وهو يخرج لتوّه من حرب أهلية مدمّرة ــ فراغا رئاسيا دام 409 أيام، لكنها المرة الأولى التي تمرّ فيها ذكرى الاستقلال وأضواء القصر الرئاسي ببعبدا مطفأة، والأمر فعلا خطير،خاصة مع ما يعيشه الجوار من اضطرابات تلقي بظلالها الدّاكنة ومآسيها على الوضع الأمني في بلد الكرز.
لهذا يجب على اللّبنانيين المبادرة دون تأخير إلى إجراء مشاورات للتوافق على انتخاب رئيس، يضع في أولوياته إحياء الحوار الوطني وتعطيل ألغام الفتنة، وفكّ الاشتباك الأمني والعسكري مع الحرب السّورية.
هذه المبادرة التي تشكّل القاعدة المتينة للابتعاد عن التّجاذبات السياسية العقيمة وتحقيق الاستقرار الداخلي
وصدّ الخطر الخارجي، تمثّل جسر العبور إلى دولة الاستقلال التي ستبقى محطّ أنظار جميع اللّبنانيين، أما خلاف ذلك، فسيواصل اللبنانيون سياسة الهروب إلى الأمام ويتحصّنون وراء العناد السياسي وطرح الحلول المستحيلة، لتبرير كسر قواعد الإجماع الوطني واستسهال التفرد بالقرارات المصيرية، وحشر البلاد في المربّعات الصّغرى للحرائق الإقليمية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024