الملف النووي الإيراني

الإبتـزاز السيـــاسـي للدول الغربية

جمال أوكيلي

المحادثات المضنية بين الدول الغربية وإيران توصف تارة بالإنفراج وتارة أخرى بالتشاؤم، هذا يكشف عن تعقد الملف النووي لهذا البلد ورغبة تلك البلدان في طيّه بالصيغ التي تراها مناسبة بعد أن استبعدت الخيار العسكري الذي كانت إسرائيل متحمسّة له في وقت معين إلى درجة الجنون.

ما تسرب من اجتماع فيينا عن طريق تصريحات البعض من مسؤولين أمريكيين وفرنسيين يدرج ضمن محاولة إضفاء الطابع الخاص على الموقف الإيراني وتقديمه للرأي العام العالمي، بأنه متشدّد ويرفض أي تنازلات تجاه التسوية المأمولة، لذلك فإن الحديث يتمحور حول التوقيع، لكن بأي ثمن !؟
كل الإشكال يكمن هنا، هل يقبل الإيرانيون بالشروط المجحفة التي يريد الغرب أن يفرضها على هؤلاء؟
المفاوض الإيراني يدرك جيّدا من أين تبدأ المفاوضات وإلى أين تصل؟ ونهايتها دائما تكون بتجريد إيران من كل ترسانتها النووية، وتركها تحت وصاية مراقبة “جهات غامضة” هذا من جهة، وجهة ثانية حرمان إيران من ناصية العمل وكل ما تبع ذلك من بحث في قطاعات حيوية.
مثلما وقع في العراق عندما كان تحت الحصار الأممي لم يجد المراقبون أمامهم سوى التوجه إلى جامعة “المستنصرية” للإطلاع على البحوث العلمية والتكنولوجية للعراقيين وكل وثيقة صوروها وأخذوها معهم.
الوفد الغربي من آشتون وكيرى وفابيوس وغيرهم يرغبون في أكثر من هذا وهو وضع حد للتفوق الإيراني في المجال النووي، وقد قالها وزير الخارجية الأمريكي صراحة “لا نريد أن تضع إيران قنبلة نووية”، وهو بذلك يترجم ذهنية كل من معه من ساسة غربيين.
وعندما يصرّح فابيوس بأن المفاوضات شاقة. هذا يعني ضمنيا بأن الإيرانيين يرفضون رفضا قاطعا شروط تلك البلدان التي يريدون أن تكون موثقة وموقعة من قبل الآخر.. تكون على المدى الطويل ليتوقف كل شىء أي جميع المشاريع العلمية في هذا البلد، بالإضافة إلى تجميد العمل بالمحطات الحيوية، خاصة محطة “فوردو” التي تقلق حتى الإسرائيليين الذين يعملون عن طريق تلك الشخصيات على التخلّص منها.
والخاصية التي سجّلت على مسار المفاوضات هي أن الغرب لا يريد توقيفها بل يسعى إلى أن تستمر إلى غاية بلوغ أهداف معينة حتى أوباما يؤمن بهذا الطرح، ففي كل مرة يدعو إلى الجنوح إلى الحل السلمي الذي يفضّل الإتصالات المباشرة بالرغم من تعقدها أحيانا، لكن في كل مرة يدعمها الإيرانيون ويرون فيها الإطار المناسب للتفاهم حول نقاط معينة.
والإيرانيون لا يوقعون أي شيء كما يحلم به البعض وإنما يشترطون من جهتهم إلتزامات من كيري وجماعته عدم منع بلدهم من هذا الحق العلمي في تطوير قدراتهم التكنولوجية وهذا من بديهية الأشياء، كما يرفض أن يضغ هؤلاء سقفا معينا لنشاطات البحث أو الكف عن الإستمرار في تشغيل محطات معينة، التي يذكرها هؤلاء في كلامهم أمام الوفد الإيراني بإيعاز والتنسيق مع إسرائيل.
لذلك، فإن يستحيل تقديم هذه الخدمة المجانية للكيان الصهيوني على طبق من ذهب وحماية ما يدعيه بأمنه القومي. هذه المعادلة لا يقبل بها الإيرانيون، لذلك فإن التوقيع على أي وثيقة لا تكون على حساب بلد لإرضاء “دويلة أخرى”، وإنما يكون دائما على الطابع السلمي للمشروع الذي لا يضّر أي طرف لا القريب ولا البعيد.
لذلك، فإن سياسة الكيل بمكيالين ما يزال هؤلاء يطبقونها، فلماذا لا يطلب من إسرائيل وضع قوتها النووية تحت المراقبة، خاصة “مفاعل ديمونة” الذي يهدّد الجميع في حين يصورون على البعض بعدم امتلاك هذه القدرات وإن أرادت ذلك فإنها لا تتعدى الاستعمالات الطاقوية كالكهرباء وغيرها، هذا هو الإشكال الذي يميزّ العلاقات الدولية الراهنة، فإلى متى هذا الإجحاف في حق الشعوب!؟ وللأسف كل ما سعى بلد إلى تطوير كفاءاته العلمية إلا ويرد ضمن منطق غريب لا أساس له من الصحة، هو امتداد لذهنية السيطرة والتحكم في رقاب الشعوب، كما كان الحال في السابق، اليوم بصيغة أخرى أي رفض قاطع لأي وثبة في المجال العلمي الذي يضاهيهم ويسير على مستواهم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024