شهدت واغادوغو عاصمة بوركينافاسو نهاية أكتوبر المنصرم احتجاجات شعبية وصفت بحراك افريقي وكانت افريقيا قد شهدت تحوّلات ديمقراطية مبكرة نسبيا مقارنة بالعالم العربي، وكان عنصر الشباب بها هو الذي قاد الاحتجاجات وعمل على تعبئة القوى السياسية بوسائل الاتصال الحديثة.
فبوركينافاسو أمام خيارين، إمّا قيادة العسكر للمرحلة الانتقالية وإما القوى المدنية تتولى تسيير البلاد مع حياد المؤسسة العسكرية مثلما هو الوضع في تونس.
ويبدو أن بوركينافاسو تمتلك نفس الخصائص الديمغرافية والسياسية والاقتصادية للتغيير. فأغلب سكان بوركينافاسو الباغ عددهم ١٧ مليونا من الشباب تقل أعمارهم عن ٢٥ عاما أن هؤلاء أمضوا معظم حياتهم في ظل حكم الرئيس المعزول “بليزكومباوري”.
الوضع الإقتصادي في بوركنافاسو متدهور، حيث يوجد سخط شديد من المواطنين وذلك نتيجة تفشي الفساد وسوء الحكم. وعلى الرغم من معدلات النمور المرتفعة ٧٪ وفقا لتقديرات عام ٢٠١٢، غير أن نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر!
ومع ذلك، كان الرئيس المعزول كومباوري يوصف بحكيم افريقيا ولا يخفى أن واغادوغوا أضحت تحت حكمه إحدى ركائز الإستراتيجية الأمنية لكل من الولايات المتحدة وفرنسا في منطقة الساحل والصحراء، حيث تحتضن قاعدة للطائرات الأمريكية دون طيّار، ومركزا للقوات الفرنسية الخاصة، ومع ذلك تخلى الغرب عن كومباوري وترك الجيش يجبره على الإستقالة.
وتشير إحدى الرسائل المتبادلة بين الرئيس الفرنسي هولاند والرئيس المعزول كومباوري إلى استعداد باريس لمساعدة الأخير في تبوء أحد المناصب الدولية بعد تخليه طواعية عن السلطة. وكانت محاولة كاومباوري في البقاء في السلطة لعهدة جديدة تبدأ في نوفمبر القادم من خلال تعديل الدستور، هي التي قادت الإنتفاضة عليه رغم أن دولا كثيرة مثل بنين وبوروندي والكنغو الديمقراطية ورواندا تشهد محاولات للنخب الحاكمة فيها لإجراء تعديلات دستورية تسمح بفترة رئاسية ثالثة.
ولعل إحدى دلالات التغيير ببوركنافاسو تكمن في إعطاء هؤلاء الحكام فرصة للتدبر والتفكر.
فلقد خسر الرئيس السنغالي عبد الله واد الإنتخابات عام ٢٠١٢، رغم حصوله على حكم قضائي بالترشح لعهدة ثالثة بالمقابل نجح بعض الرؤساء في تمديد فترة رئاستهم مثل “بولب بيا” الذي يحكم الكاميرون منذ عام ١٩٨٢ والذي عمل على سحق المعارضة المعارضة المدنية وضيق الخناق على المجتمع المدني ومن بين الدول التي قامت بإجراء تعديلات دستورية للسماح لرؤسائها بتمديد ولايتهم كالتشاد وجيبوتي وأوغندا.
فالجيش سواء الكثير من الدول المتخلفة كالأفارقة وبعض الدول العربية عادة ما يطرح نفسه كمنتقد ومحافظ على وحدة الدولة وبقائها والضمانة الوحيدة ضد الفوضى. ولعل أحسن مثال على ذلك ما يجري في بوركينافاسو. فقد أعلن قائد الجيش الجنرال “تراوري” أنه رئيس الدولة بعد استقالة “كومباوري” وحل البرلمان وتعطيل الدستور ثم تبيّن لاحقا عدم ملاءمة جنرال معروف بارتباطه بالنظام القديم لتقديمه في حلة ثورية، فإذا به سيساند العقيد “اسحقا زيدا” وهو من الحرس الجمهوري وغير معروف ليصبح الرئيس الانتقالي.
سيناريو الانقلابات الذي هيمن على السياسة الإفريقية في الستينات والسبعينات عاد للواجهة من جديد، بالرغم من أن الاتحاد الإفريقي أبطل الإعتراف بالأنظمة الإفريقية القائمة على الإنقلاب ولم يعترف بها وذلك راجع لعدة عوامل:
أولها تسييس مؤسسة الجيش في مرحلة ما بعد الإستقلال،حيث أصبح الجيش أداة تغيير السلطة وأحداث تحولات كبرى في المجتمع عوض تحييده وإخضاعه لسلطة مدنية.
ثانيا: فشل الحكومات الإفريقية بما فيها المنتخبة في التعامل مع المشكلات اليومية للمواطنين.
ثالثا: ارتباط الأمن القومي في البلدان الإفريقية بأمن النظام الحاكم.
وتشير الخبرة الإفريقية إلى أن أغلب الجيوش نشأت في العصر الاستعماري، حيث كانت أداة للحفاظ على النظام الفردي وحمايته.
رابعا: هشاشة الدولة ومحدودية الثقافة الديمقراطية إذ عادة ما يلجأ الزعماء السياسيون إلى المناورات السياسية والتلاعب بالدستور من أجل الإستمرار في السلطة مدة أطول.
ولقد أعلنت التنظيمات الإقليمية رفضها الانقلابات والتغييرات غير الدستورية في الحكومات، غير أن هذا الرفض يفتقر إلى الجدية والحزم فقادة الجيش عادة ما يرسخون أقدامهم ويعدون بنقل سريع للسلطة المدنية فتأتي الإنتخابات الموعودة يبرز فيها عسكري بلباس مدني.
فكومباوري نفسه أطاح بصديقه الثوري توماس سانكارا عام ١٩٨٦ في مؤامرة اقليمية ودولية، ومع ذلك أصبح يلقب بحكيم افريقيا ويقوم بدور الوسيط في حل النزاعات السياسية في غرب افريقيا.
احتمالات المستقبل
يمكن تحديد ثلاث مسارات تمثل ملامح مستقبل التغيير ببوركينافاسو :
١ ـ فترة انتقالية يقودها الجيش بزعامة الجنرال زيدا واجراء انتخابات.
٢ ـ إمكانية اسناد قيادة المرحلة الإنتقالية لرئيس البرلمان غير أنه لا أحد يتحدث عن الدستور في ظل الإنتفاضة الشعبية.
٣ ـ تمكن قوى المعارضة من التضامن والحشد الشعبي في مواجهة الإنقلاب، حيث يتم تسليم السلطة لقيادة مدينة انتقالية.