بعد 25 سنة على سقوط حائط برلين

جدران أخرى لا تزال قائمة في فلسطين والصّحراء الغربية

أمين بلعمري

احتفل الألمان يوم التاسع نوفمبر الجاري  بالذكرى الـ 25 لسقوط جدار برلين، الذي قسّمها إلى نصفين ومعها ألمانيا إلى ألمانيتين الاولى شرقية بإيديولوجية شيوعية عاصمتها برلين،

والثانية غربية ليبيرالية عاصمتها بارن. وكان حينها هذا الحدث من أكبر مظاهر الحرب الباردة على الإطلاق، حيث عكس الصّراع الإيديولوجي المحتدم بين معسكرين الذي قسّم شعب ألمانيا الواحد.
الألمان: إرادة الوحدة تتحدّى التّقسيم
 إنّ الشّعب الألماني أعطى للعالم أجمع درسا في الحفاظ على وحدته وتمسّكه بها، فأكثر من ربع قرن من التقسيم الذي فرضه ذلك الجدار على هذا الشعب لم تستطع النيل من وحدته وشعوره بالانتماء إلى الأمة الألمانية التي لم يستطع “جدار العار” كما كانت تطلق عليه ألمانيا أو “جدار الحماية من الفاشية” كما كانت تسمّيه ألمانيا الشرقية، ضرب وحدة هذا الشعب الذي حققها مجدّدا بعد سنوات طويلة من عزلة تامة ومحكمة بين شطري الألمانيتين، لتحدث بعد ذلك المعجزة
ويتهاوى هذا الجدار الذي يبلغ ارتفاعه حوالي أربعة أمتار، ويسهر على حمايته 14 ألف حارس يساعدهم 600 كلب بوليسي. كل ذلك بدا هيّنا أمام إرادة شعب يؤمن بوحدته حتى النّخاع، فتهاوى ذلك الحاجز كأوراق الخريف عند أول سانحة، فمن يستطع وقف إرادة الشّعوب إن هي أرادت؟
جدران العار في القرن الـ 21  
من كان يتوقّع أنّ العالم الذي عرف مرحلة من التفتح والديمقراطية دشّنها بسقوط جدار برلين، الذي كان يعتبر من أكبر رموز انتهاكات حرية الإنسان خاصة لدى الدول الغربية، التي طالما انتقدته وأطلقت عليه كل النّعوت والأوصاف في ظل حرب دعاية بخلفية إيديولوجية، استعمل فيها الانسان وحقوقه كحصان طروادة لكشف عورات الخصم وتشويه صورته، وإن كان ذلك حق فقد أريد به باطل. واكتشف العالم مدى نفاق هذه الدول الغربية التي تدعّم دون شرط بلدان تمارس الميز العنصري والفاشية في القرن الـ 21 لأنّها
ورغم تشدّقها بحقوق الإنسان في كل مرة لم تلق بالا إلى الإنسان الفلسطيني ولا إلى الإنسان الصحراوي، ولم تنتقد يوما جدار العنصرية التي أقامها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وجدار الميز العنصري الذي شيّده المغرب في الصحراء الغربية، وقسّم الشعب الصحراوي المحتل إلى قسمين، فهل من حق هذا العالم الحرّ أو الذي يطلق على نفسه هذا الاسم أن يحتفل كل سنة بسقوط جدار برلين، ويعتبره حدثا مفصليا في التحول الديمقراطي في العالم؟
في حين أنّ هذا العالم (الحر) مازال فيه مكانا لهذه البقع المظلمة، وهذه الجدار ومن المتناقضات أنّها شيّدت بمساعدة بعض الدول الغربية التي جعلت من الديمقراطية وحقوق الإنسان ماركة مسجّلة باسمها، بينما كان يجدر بها أن تمنع على الأقل باسم ديمقراطيتها وحريّتها بناء هذا الصّرح الحقيقي للفاشية والعنصرية، الذي يمتد على مسافة أكثر من ألفي كيلومتر ويبلغ ارتفاعه ضعف جدار برلين.
الذّكرى تدعونا إلى التدبّر
 في حال العرب بعد ربيعهم”
 إنّ إحياء ذكرى سقوط جدار برلين تدعونا نحن كجزء من الدول العربية إلى التمعن في الحالة التي تعيشها بعض هذه الدول التي تعرف مسار تفكيك حقيقي لا يشعر به أحد، فالنّعرات القبلية التي تشهدها بعض هذه الدول بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي لم يكن لها نفس الأثر كما في ألمانيا، التي توحّدت بمجرد حصول الربيع الأوروبي أو الثورات الملوّنة، إلاّ أنّ السيناريو يبدو مقلوبا في البلدان العربية، والحالة اليمينة من أكبر الأمثلة على هذا الأثر العكسي، حيث أصبح الجنوب يطالب بالانفصال عن الشمال، في حين أنّ اليمنيتين توحّدتا عام 1990 أي سنة واحدة بعد سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا.
أما الحالة الليبية فهي لا تبعث بدورها على الاطمئنان إن استمر الوضع على حاله واستمر الاقتتال، وما تهديد “دولة برقة” الغنية بالنفط بالانفصال والعودة إلى دستور 1949 إلاّ دليل على انتشار هذه النّزعة الجديدة التي استطاعت الدولة الوطنية العربية على عيوبها القضاء عليها أو على الأقل الإقلال من تأثيرها.
في المشرق العربي الذي بدأ مسار تفكيكه بالسودان تجري محاولة تقسيم دوله، وتفكيكها تحت مختلف الأسباب الدينية و الطائفية...إلخ،
وكل ذلك بسبب وباء القبلية والجهوية والفئوية التي عشّشت في هذه الشعوب، وشجّعتها على ذلك أنظمة اهتمّت ببقائها واستمرارها على حساب مصلحة الوطن العليا، فكان النّتيجة خراب البيوت وتفتيت الشّعوب التي سحرتها الشّعارات البرّاقة والعبارات المعسولة، انقادت وراء عواطفها لتصحو على كابوس لتجد واقعا آخرا غير ذلك الذي أفحمته بها وسائل الإعلام سواء تلك المأجورة أو تلك المبتورة عن واقع شعوبها وهمومه! أفلم يأن الوقت الذي نعتبر فيه إن لم يكن قد فات الآوان على فعل ذلك؟!

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024