أبوجا ــ بوكو حرام: من مواجهة مفتوحة إلى مفاوضات حذرة

هل تكون الغلبة للسلام في نيجيريا؟

أمين بلعمري

جاء الإعلان عن توصل الحكومة النيجيرية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة بوكو حرام مفاجئًا، خاصة وأن أبوجا أعلنت منذ بدية تمرد هذه الحركة في شمال شرق نيجيريا العام 2009، رفضها المطلق  التفاوض مع هذه الحركة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة المنظمات الإرهابية.

حركة بوكو حرام التي تعني باللغة المحلية الهاوسا “التعليم الغربي حرام” والتي تسمى كذلك بطالبان إفريقيا لأنها تتشكل من طلبة تخلّوا عن الدراسة وانضموا إلى هذه الحركة  المسلحة التي  تأسسّت العام 2002، على يد محمد يوسف، هذا وتدعو حركة “جماعة أهل السنة والجهاد” وهذا هو الاسم الحقيقي لـ«بوكو حرام” النيجيرية إلى تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية في مناطق شمال شرق نيجيريا ذات الأغلبية السنّية.
بداية المواجهة
في صائفة العام 2009، أطلقت الحكومة النيجيرية حملة واسعة ضد الحركة بعد حصولها على معلومات استخبارية، مفادها أن الحركة بدأت العمل على تأسيس جناح عسكري، وأسفرت العملية عن القبض على عدد من قياديي ورموز حركة جماعة أهل السنّة والجهاد المعروفة إعلاميا أكثر تحت مسمى “بوكو حرام” ليبدأ مسلسل المواجهات بينها وبين السلطات النيجيرية. سقط خلال هذه العملية المئات من أفراد الحركة ومن عناصر الأمن النيجيري لتبدأ الحركة عقبها في تنفيذ اعتداءات على مصالح ورموز الدولة النيجيرية، خاصة في ظلّ إطلاق إشاعات عن مقتل مؤسسها محمد يوسف. إلا أن هذه العمليات ازدادت من حيث القوة والتأثير هذه السنة الحالية 2014، من خلال انفراد الحركة باستحداث طريقة جديدة تتمثل في اختطاف رهائن يكونون في الغالب من النساء ومن أبرز هذه الاعتداءات هو اختطاف حوالي 250 شابة من ثانوية في شيبوك بمقاطعة بورنو في شمال شرق البلاد وهي العملية التي أصبحت معها هذه الحركة أشهر من نار على عالم، حيث تصدّرت الحادثة أولى صفحات وسائل الإعلام العالمية، كما أدت إلى تضامن عالمي غير مسبوق مع الحكومة النيجيرية ومع تلك الطالبات المختطفات وكانت زوجة الرئيس الأمريكي ميشال أوباما من أبرز الوجوه العالمية المتضامنة معهن، لتتهاطل بعدها العروض من كبرى الدول الغربية على الحكومة النيجيرية لمساعدتها على تحديد مكان احتجازهن وتحريرهن من قبضة بوكو حرام ووافقت ابوجا - المعروفة برفضها للتدخلات الأجنبية في شؤونها- على مضض على هذه العروض وسط ضغوط دولية تكاد تحمّل الجيش النيجيري مسؤولية ما وقع باتهامه بالتقاعس في التصدي لحركة بوكو وخاصة في حادثة ثانوية شيبوك، الحكومة النيجيرية وأمام هذه الضغوط وافقت على عرض أمريكي جاء بعد زيارة قائد الافريكوم الجنرال “روديريغاز” إلى أبوجا شهر جوان الماضي يتمثل في السماح لطائرات أمريكية بالتحليق فوق أجواء شمال شرق البلاد أين تنشط عناصر حركة جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد المصنفة إرهابية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.
من الاقتتال إلى المفاوضات  
إن اتفاق وقف النار الذي توصّل إليه الطرفان بوساطة تشادية كان مفاجئا للجميع لعدة أسباب، لعلّ من أهمها أن هذا الاتفاق جاء في الوقت الذي كان يعتقد فيه الجميع، أن العالم مقبل على القيام بحملة دولية ضد حركة بوكو حرام خاصة بعد اختطاف طالبات شيبوك وحملة التجنيد الدولي ضد الحركة بداية بمؤتمر باريس الذي - جاء بمبادرة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند - والذي  خصصّ لمناقشة التهديدات الإرهابية لهذه الحركة على كل منطقة غرب إفريقيا وليس على نيجيريا وحدها. وفي ظلّ رفض قاطع للحكومة النيجيرية التفاوض مع حركة بوكو حرام التي تعتبرها حركة إرهابية يجب مواجهتها عسكريا والقضاء عليها، إلى درجة أنها رفضت حتى الاستجابة لعرض تقدم به زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو للتفاوض مع الحكومة بعد اختطاف طالبات ثانوية شيبوك، إلا أن موقف الحكومة النيجيرية سرعان ما تغيّر وقد يكون بسبب ضغوط غربية، أجبرت أبوجا على التفاوض مع الحركة بوساطة الرئيس التشادي إدريس ديبي، لتعلن الأخيرة وبعد خمس سنوات من المواجهة المفتوحة مع الحركة عن التوصل لوقف لإطلاق النار جاء نتيجة مفاوضات سرية تمت بين الطرفين جرت بين 14 و30 سبتمبر، وهذا حسب ما أعلنته الرئاسة النيجيرية يوم السبت الماضي وقد تكون هذه المفاوضات التفسير الوحيد لإطلاق الحركة لـ 27 رهينة يوم 11 أكتوبر الماضي والتي كان من ضمنها زوجة نائب الوزير الأول الكاميروني  في انتظار أن تفرج بوكو حرام عن الشابات النيجيريات البالغ عددهن حوالي 250 والجارية بشأنهن المفاوضات بين الطرفين في ظلّ تأكيد الحكومة النيجيرية عملها على التطبيق الحرفي لبنود الاتفاق لتفادي أي قرار مفاجئ من الحركة لتتملص من تطبيق بنود الاتفاق.
في الأخير، ورغم التعليقات التي أعقبت هذا الإتفاق والتي اعتبرته بعضها انتصارا لحركة كانت تعتبر بالأمس القريب حركة إرهابية يجب محاربتها والبعض الآخر اعتبره غير ذلك وآخرون شكّكوا حتى في هوية من تفاوض باسم بوكو حرام  المدعو “دانلدي أحمدي” في ظلّ تضارب أنباء عن مقتل زعيم الحركة أبوبكر شيكاو، يبقى في الأخير أن المنتصر الوحيد هو السلام الذي بدونه لا يمكن لبلد بحجم وإمكانيات نيجيريا تخولها لأن تكون إحدى قاطرات الإقلاع الاقتصادي الإفريقي وإخراج هذه القارة من دائرة الاقتتال والأوبئة التي تعاونت على شلّ حركتها في حين تمتلك كل شيء لكي تكون قطبا عالميا في السياسة والإقتصاد!

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024