تطورات سياسية بارزة تشهدها القضية الفلسطينية بالرغم من زخم الأحداث في سوريا والعراق جراء هجومات داعش ورد الفعل الأمريكي بضرب عناصر هذا التنظيم في بلد ذي سيادة كاملة، لم نر ذلك من قبل في العلاقات الدولية.
وهذه التغطية التي أثرت إعلاميا على الملف الفلسطيني، لم تمنع من إعلان السويد إستعداده للاعتراف بالدولة الفلسطنية، بعد أن حازت هذه الأخيرة على عضوية صفة ملاحظ بالجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتراف العديد من البلدان بها ودعمت القيادة الفلسطنية هذا التوجه بالإنضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يحق أن تكون لفلسطين مكانة فيها عقب تلك الإعترافات المتتالية.
وإن كانت الولايات المتحدة تتحفظ على ذلك بقولها “أن الكلام عن الإعتراف سابق لأوانه” وهذه الأسباب معروفة منها رفض اللوبي الصهيوني في أمريكامن الذهاب إلى مجاراة هذه الخطوة السياسية “الحاسمة” إلا أنه لابد من القول هنا بأن موقف السويد يعد درسا سياسيا لكل أولئك الذين ما زالوا يرون بأن إسرائيل معرضة للرمي بها إلى “البحر” وهو تفكير يعود إلى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات عندما كان الصراع العربي الإسرائيلي على أشده، بالإضافة إلى المقاومة الشرسة ضدالصهاينة سواء عن طريق الحروب (١٩٦٧ - ١٩٧٣ ) أم بواسطة العمليات الفدائية البطولية ضد الأهداف الحيوية لإسرائيل، للأسف هناك من يعتبر أن هذا المنطق ما زال سائدا، في حين أن كل المعطيات تغيرت تغيرا جذريا.. رأسا على عقب وهذا منذ انهيار جدار برلين.. الكل دخل في مسلك جديد ألا وهو البحث عن السلام ليس على طريقة السادات، وإنما ظهرت فيما بعد في اتفاقيات أوسلو وما تبع ذلك من توقيعات على أجزاء السلام كل بلد على حدى.
هذه الخلفية السياسية هي التي تحرك الدوائر الأمريكية عندما يتعلق الأمر بأي خطوة في هذا الشأن، رافضة أخذ المبادرة التاريخية في الاعتراف العلني بدولة فلسطين، لأن الأمر لا يتعلق بمسألة المستوطنات فقط فهذا جزء من الكل والأمريكيون يعتقدون بأن القضية الفلسطينية هي الدعوة لتوقيف بناء المستوطنات من طرف حكومة ناتنياهو “هذا خطأ جسيم” وللأسف ما يزال الناطقون باسم البيت الأبيض يتحدثون عن هذا الأمر بدلا من الاعتراف بدولة فلسطين.
وهذه السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية تسير بوجهين، الوجه الأول يخص حماس وما يترتب عن ذلك من تداعيات تصنيف هذه الحركة في خانة معينة “ برفض التعامل معها، ومتابعتها ومراقبتها في تواصلها السياسي الخارجي، وما مدى قدرتها في عدم الإقتراب من داعش أو الإبتعاد عن هذا التنظيم تاركة الأمر للوقت حتى تتخذ الموقف المناسب، والوجه الثاني يعني السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، الذي ترى فيه الشخصية الأكثر تعاملا معها، لكنها احتجت على خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا عندما يطالب بحقوق الشعب الفلسطيني، أو دعوته من أجل إحالة قادة إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية نظرا لما اقترفوه من جرائم صنفت ضمن الإبادة الجماعية.
هذه القراءات للسياسة الأمريكية تعطل كثيرا من بروز مؤشرات توحي بأن ملف الإعتراف سيكون غدا، بل سنشهد في غضون الأيام القادمة تحركا أمريكيا من أجل التأثير على هذه البلدان لوقيف هذا المد الجديد الذي تريد السويد أن تدشنه على الصعيد الأوروبي حتى يكون محدودا، وهذا ما اعتدنا عليه في كل مرة تنطلق في القضية الفلسطينية نحو آفاق واعدة، إلا ونجد من يفشل هذا المسعى أو يقتله في مهده، وهذا كله بإيعاز من إسرائيل وجماعاتها الضاغطة المتغلغلة بقوة في المؤسسات السياسية والإقتصادية والمالية الأوروبية.ولابد من الإشارة هنا إلى أن موقف السويد يتطلب منا وقفة تأمل عميقة نظرا لأهميته في استحداث الإنطلاقة نحو خيارات أخرى لم تكن أبدا في الحسبان على المستوى الأوروبي خاصة.
هل هي استفاقة ضمير أم إحقاق للحق؟ نعتقد بأننا في الموقع الثاني، خاصة مع ما جرى في غزة من جرائم ضد الإنسانية، تبين للروافد في المجتمع المدني بالسويد أن آلة القتل الإسرائيلية تجاوزت كل الحدود المتعارف عليها في الحروب ولا تعترف بأي جهة تطالبها بوقف إطلاق النار ضاربة بعرض الحائط كل النداءات الدولية الخيرة منها السويدية وغيرها من الدول الأوروبية.
مثل هذه السلوكات الهمجية ضد سكان غزة الموثقة في ملفات من طرف المجتمع المدني في السويد وغيره، كان لها تأثير واضح على الحكومات في هذا البلد ولا يتوانى البرلمان في السويد من الإعلان عن موقفه الحازم والعازم بعد اطلاعه على الإنجازات السياسية للقيادة الفلسطينية وما ارتكبه الصهاينة ضد غزة، كلها عوامل توجد في الاتجاه الصحيح.