تساؤلات سياسية عن وقائع عسكرية

جمال أوكيلي

تساؤلات سياسية دولية حادّة تصدر عن المتتبّعين بخصوص كل هذه القوة التي بحوزة ما يسمى بـ “داعش”، أحيانا لا تجد الإجابة نظرا لغموض هذا التّنظيم، وأحيانا أخرى هناك مؤشّرات توحي بأنّ “الدولة الإسلامية” لم تلد من العدم، بل هذه نتاج لتراكمات وحسابات وخلفيات معيّنة، جاءت لتقلب معادلة الصّراع بكل أبعاده في المناطق التي يتواجد بها، ليحلّ محل التوجه الأمني المبني على المنطق الدّيني الذي يفرض في النّقاط التي تمّ الإستيلاء عليها خاصة في العراق، وتداعياته أضرّت كثيرا الذين فرّوا من مدنهم نحو الأماكن الأكثر أمنا وتسامحا من كل هذا التشدّد والتّطرّف غير المحدود.

فهل سرق “داعش” الأضواء من القاعدة أم الأمر يتعلّق بإعادة صياغة تواجد آخر يندرج في إطار الإستمرار في تقوية عود الإرهاب؟ إنّه مجرد انشغال ملحّ من باب أنّ تبادل الأدوار بات واضحا بين “قادة” القاعدة و«داعش” عندما يعلن الأول “مبايعته” للثاني. هنا يتطلّب الأمر الكثير من الحذر، ليس لوضع تلك الحدود الفاصلة بين الإرهاب كونه لا يوجد أصلا، وإنما لما يحدثه من أذى للآخر، وهذا ما نقف عليه يوميا في سوريا والعراق، لذلك استغرب الكثير لسقوط مدينة الموصل في أيدي هؤلاء بتلك السّهولة، واندهش الجميع لزحفه إلى غاية محاولته السّيطرة على كل ما هو استراتيجي في هذا البلد. وممّا زاد في إطالة عمر هؤلاء وتدعيم شوكتهم، التّماطل الذي لوحظ لدى كل من يدّعي محاربة الإرهاب، وهذا باستعمال الطّائرات بدون طيار، وهذا في حدّ ذاته خطأ فادح، لا لشيء سوى لأنّ ذلك لا يستأصل هذا التّنظيم، وإنما هي ضربات متوجّهة لمجموعات محدّدة في مناطق معيّنة، وهنا يتعقّد الأمر أكثر فأكثر، كاعتراف بعدم الذّهاب لمحاربة هؤلاء في الميدان، وإنما البحث عنهم من الفضاء والولايات المتحدة لديها كل المعطيات، لذلك فهي متردّدة في الذهاب بعيدا، وقادتها العسكريّون يقولون بأنّ عدد أفراد داعش ما بين ٣٠ و٥٠ ألف عنصر، وبالرغم من إصرارهم على مكافحته إلاّ أنّ هناك الكثير من علامات استفهام، وهذا بإيعاز الأمر إلى ما يعرف بالتّحالف الدّولي.
وأول بلد دخل هذا المعترك فرنسا، وهي تحذو حذو أمريكا بعد أن قدّر هولاند عدد الذين غادروا بلاده باتّـجاه تلك المناطق بحوالي ١٠٠٠ شخص، ناهيك عن بلدان أخرى تريد أن توجّه ضربات لداعش، لكن الولايات المتّحدة رفضت، لماذا يا ترى؟ وقرّرت مهاجمة هؤلاء في سوريا لكن هذا لم يحدث حتى الآن!؟
إنّنا فعلا أمام واقع سياسي ومشهد أمني يحملان الكثير من التّأمل لسيرورتهما نظرا لعدم وجود إرادة ثابتة في متابعة هذا النّهج المتوجّه للقضاء على داعش، وعندما تصل الولايات المتّحدة إلى سقف معين من التشنّج ضدّ هذا التّنظيم يسجّل تراجعا ملحوظا في مواجهة هذا الخط لتعود الأمور عمّا كانت عليه من قبل، ألا وهي تعزيز وجوده في أوضاع تحتاجها هي.
والتّخوّفات التي أثارها البعض ضد داعش، إنما جاءت من حرصهم على أمنهم القومي، وتحويل بلدهم إلى حلبة لصراعات قاتلة، والتّجربة قائمة في لبنان (منطقة عرسال) باختطاف العديد من الجنود، وما تزال المساعي جارية لإطلاق سراحهم عن طريق وساطة عربية.
وتبعا لذلك، فإنّ الكثير يتابعون عن كثب نظرة تركيا إلى داعش، هذا ما جعل العديد من الأطراف القريبة من هذا الملف تراهن على الوقت في احتمال حدوث ملموس لمسألة التّوازنات في النّزاع القائم في سوريا بين النّظام والتّنظيمات المسلّحة من خلال السّعي لإضعاف قوّة حزب الله في هذا الصّراع، وعدم تركه يحوز على المبادرة في الميدان.
ولابد من اعتبار حسب كل التّطورات المتلاحقة، بأنّ داعش جزء من حسابات العسكريّين الغربيّين في سوريا والعراق، ولا نكون سذجا إذا اعتقدنا بأنّ هناك حربا ضدّهم في الوقت الرّاهن، إنما انفلات حبل التحكم في بعض قيادتها التي انفردت بقرارات أكبر منها، وهذا ما يلاحظ حاليا في سوريا من خلط حول ما يقع، باختفاء كل تلك المجالس العسكرية التي كانت تعمل مع أمريكا والغرب، وتزعم التّنظيمات المسلّحة طليعة العمل السكري. وهذا ما يقلق الولايات المتّحدة لأنّها لم تجد الجهة التي تتعامل معها كما كان الحال في بداية النّزاع، وعندما تتحدّث عن مساعدتها تذكر عتاد غير قتالي، وغيرها من الأشياء التي تكشف عن غموض في الرّؤية وتعقّد الوضع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024