مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 59 المقرر تنظيمها في 3 نوفمبر القادم، بدأت التساؤلات تطرح حول فرص الرئيس دونالد ترامب في الفوز بهذا السباق الذي يجري وسط أجواء مشحونة سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، حيث بدأت الشوارع تنتفض غضبا ليس فقط بسبب تنامي العنصرية وعنف الشرطة وارتفاع مستويات البطالة، بل وبسبب إخفاقات الرئيس في إدارة الأزمات، وتسبّبه عن قصد أودونه بسبب تصريحاته النارية وتصرفاته الفظة في إثارة حالة من الانقسام والاستقطاب الحاد التي بدأت انعكاساتها تتجلى واضحة من خلال تراجع شعبيته الى أدنى مستوياتها مند توليه منصبه في جانفي 2017.
لا شكّ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعيش أسوأ أيامه بسبب المتاعب التي باتت تحيط به من كل جانب والتي يعتقد كثيرون أنها قد تحول بينه وبين ولاية ثانية كان إلى وقت قريب شبه متأكّد من انتزاعها بسهولة بفضل الطفرة الاقتصادية التي حققها في سنوات حكمه الأولى، لكن قبل أشهر معدودة عن الموعد الحسم، اختلطت كل الحسابات على ترامب وأخذت المصائب تتهاطل عليه كالسيل الجارف، بدءا بذلك الزائر المرعب الذي حمل على ظهره الوباء القاتل واقتحم الدولة العظمى بدون استئذان، مرورا بما خلّفته الأزمة الصحية من خسائر بشرية ومادية جسيمة، وبالشلل الذي زلزل كيان الاقتصاد ودواليبه، ووصولا إلى حادثة مقتل المواطن من أصول أفريقية جون فلويد في 25 ماي الماضي التي هزّت الشوارع وفجّرت غضبا عارما ضدّ الرئيس خاصة لما أثاره من تصرّفات استفزازية زادت من توتير الأجواء وتعميق الانقسامات.
ولأن المصائب لا تأتي منفردة فقد جاء مستشار الأمن القومي السابق «جون بولتون « ليرشّ الملح على جروح ترامب من خلال ما سرّبه من أسرار مسيئة في كتابه «من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض» الأمر الذي قد يرهن بالفعل فرصته في البقاء بالبيت الابيض الى غاية 2024.
بولتون يرشّ الملح على الجرح
بولتون وهوصقر من صقور الجمهوريين المتشددين قدّم في كتابه بعض الوقائع التي دارت خلال توليه منصبه، ومن خلالها عرض تقييمه لشخص وقدرات وأهلية الرئيس دونالد ترامب لحكم الولايات المتحدة الأمريكية، وخلص إلى أنه غير مؤهّل لأداء وظيفة الرجل الأول في أقوى دولة بالعالم.
ورغم أن كثيرين من الذين عملوا مع ترامب واستقالوا أوأقيلوا قد كتبوا أوأدلوا بشهادات مضرّة به، فإنّها لم تحدث أيّ تأثير على شعبية الرئيس عكس كتاب جون بولتون الذي يتجلّى واضحا بأنه قد يؤثر بالفعل في القاعدة الانتخابية التي يعول عليها مرشّح الجمهوريين للفوز بالسباق الرئاسي القادم، وحجم تأثير كتاب «ذكريات من البيت الأبيض « يتعاظم بالنظر الى مكانة بولتون نفسه، الذي قضى عمره داخل دواليب السلطة ينتقل بين مواقع المسؤولية ويروّج لفكر وسياسة اليمين المتطرف، التي تستند الى مبدأ التفوق الأمريكي والنزعة الى القوة للتصدي لبعض الأنظمة التي توصف بالمارقة.
ومعلوم أن بولتون بدأ مسيرته مع إدارة الرئيس رونالد ريغان، وكان أحد رموز المحافظين الجدد الذين تزعموا مرحلة سباق التسلح ضد الاتحاد السوفييتي واستعراض القوة في الخارج، ثم عمل مساعداً لوزير الخارجية في إدارة جورج بوش الأب، ليصبح سفير أمريكا في الأمم المتحدة أيام بوش الابن ولفترة بسيطة، عاد معها إلى مؤسسة «أمريكان إنتربرايز» للدراسات والأبحاث في واشنطن، والتي تشكل أحد معامل الفكر المحافظ، ثم انتقل كمعلق في شبكة «فوكس نيوز» التي تنطق باسم يمين الحزب الجمهوري، لينتهي به الأمر مستشارا للأمن القومي للرئيس ترامب، بين أفريل 2018 وسبتمبر 2019، بعدها ترك منصبه على اثر تنامي الخلاف مع الرئيس حول ملفات خارجية وبالذات ملفات إيران وفنزويلا، حيث شدد على ضرورة «تغيير النظامين» ولو بالقوة.
شكوك في الفوز
إلى غاية فيفري الماضي، كانت كلّ الأمور تسير على أحسن حال بالنسبة لترامب بالرغم من الجدل الذي تثيره سياسته وتصريحاته النارية على وجه التحديد، لكن الرجل لم يكن يواجه أي أزمات خطيرة حتى أنّه استطاع أن ينجو من محاولة عزله في قضية أوكرانيا، وفجأة تغيّر كل ّ شيء وبدأت الأزمات تحاصره داخليا من كلّ جهة، وحتى خارجيا دخلت الإدارة الأمريكية في أزمات حادة مع خصومها وحلفائها على حدّ سواء، وهنا ازدادت سمعة وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية تدهورا وبدأ الحديث يتزايد عن تراجع ريادتها العالمية، الأمر الذي يطرح اليوم علامة استفهام كبرى عن فرصة ترامب في الحصول على ولاية ثانية .
الكرة في ملعب الديمقراطيين
إذا كان البعض يسدّ بتوقعاته منافذ البيت الأبيض أمام ترامب، فهناك من يعتقد بأن الأمر لم يحسم بعد، وبأن حظوظ المرشح الجمهوري في الفوز بالانتخابات القادمة مازالت قائمة وإن تراجعت بشكل كبير، ويقولون بأن الأمر متوقف على قدرته على النهوض مجدّدا بالاقتصاد ومعالجة آثاره الاجتماعية وعلى وجه الخصوص البطالة، فالناخب الأمريكي بحسبهم يختار دائما من يحسّن ظروفه المعيشية ويحقّق تطلّعاته، كما يشيرون الى أن حظوظ ترامب تتوقف أيضا على ما سيقدّمه منافسه الديمقراطي «جوبايدن « الذي يسعى لاستغلال نقاط ضعف منافسه الجمهوري سواء تعلّق الأمر بتراجع الاقتصاد واحتقان الشوارع، أوبالقرارات الصادمة التي اتخذها على مستوى السياسة الخارجية بما في ذلك انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، واتفاق باريس للمناخ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والخلافات التجارية مع الحلفاء والأعداء على حد سواء، مما قد يكلّفه منصبه، كما حصل مع جيمي كارتر وجورج بوش الأب في عامي 1980 و1992.
وفي انتظار الموعد الحاسم الذي لم يعد يفصلنا عنه غير أربعة أشهر، تبقى اتّجاهات الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الأمريكي أهم المحدّدات المؤثرة على الانتخابات القادمة، وقد يستعيد ترامب كلّ فرصه في الفوز بولاية ثانية إذا استطاع تحقيق إنجاز كبير لإنقاذ الاقتصاد وتهدئة النفوس الغاضبة وإظهار أنّه أهلا لقيادة أعظم دولة في العالم .