وكأن المعاناة التي يعيشها السّوريون منذ عقد من الزمن لم تعد تكفيهم لتحوّل حياتهم إلى جحيم ويومياتهم إلى كتاب مفتوح على مشاهد الموت والدمار والتشرّد واللجوء، حتى جاء «قانون قيصر» ليخنق ما تبقى من أمل في سوريا الجريحة التي مازالت دماؤها تنزف في غياب من يمدّها بالدواء ويساعدها على الوقوف من جديد على قدميها.
«قانون قيصر» الذي يستمد اسمه من الاسم الرمزي لمصوّر عسكري سوري سابق نشر آلاف الصور التي تكشف - كما قال- أنها جرائم ارتكبها نظام دمشق، شرع في تطبيقه يوم الاربعاء الماضي وهويتضمّن حزمة جديدة من العقوبات المشدّدة أصدرتها الإدارة الأمريكية تستهدف ظاهريا الأسد وأعوانه لكن عمليا هي حرب اقتصادية أعلنها ترامب ضدّ الشعب السوري الذي ظلّ منذ 2011 يدفع لوحده الثمن من حياته واستقراره.
يهدف القانون، كما قال البيت الأبيض، إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية للرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه بغية إجبارهم على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254، وهي تتضمن كما أضاف، عقوبات جديدة جاءت لتسدّ الثغرات الموجودة في العقوبات السابقة من خلال معاقبة النظام نفسه وشركات الدولة وكل من يتعامل مع البنك المركزي السوري وقطاع النفط وتطال أيضا من يسعى لتمويل وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار.
ويتجلى واضحا، أن الحرب الاقتصادية التي أعلنتها الادارة الأمريكية ضد سوريا في الوقت الذي بدأت فيه أصوات السلاح تخفت وبوادر الهدوء والاستقرار تعود الى البلاد، ترمي الى إعاقة عملية إعادة الإعمار، حتى تستأثر بها ولا تدع دولة أخرى مثل الصين أوروسيا تستفيد منها، أما ما قدّمته من تبريرات كزعمها الوقوف مع السّوريين لتخليصهم من الأسد، فهومجرّد كلام لا يصدّقه عاقل على اعتبار أن من يتأثر بالعقوبات هي دائما الشعوب وليس الأنظمة، وفي الحالة السورية وفي الوقت الذي بدأ فيه الشعب السوري يتحسّس بعض الأمن ويتطلّع إلى إعادة بناء ما دمّرته الحرب، جاء القانون ليزيد أوضاعه الاقتصادية سوءا خاصة وهويواجه كبقية العالم وباء كورونا، حيث شهدنا في الأيام الماضية خروج الناس الى الشوارع للتعبير عن سخطهم من وضعهم الاجتماعي الكارثي، إذ باتوا يفتقدون لأبسط أساسيات الحياة من غذاء ودواء.
اليوم وبعد حرب مدمّرة استمرّت عشر سنوات، لم تعد المواد المعيشية الأساسية في متناول السوريين، وبالتأكيد العقوبات الجديدة التي يفرضها «قانون قيصر» إلى جانب العقوبات الأمريكية والغربية الأخرى السارية منذ2011 والتي يزعم الأمريكيون والأوروبيون على حدّ سواء، أنها موجّهة ضد الرئيس السوري وحكومته وعشرات الكيانات السياسية والاقتصادية، لا تطال في الحقيقة غير الشعب السوري الذي بقي صامدا في بلاده، وهي لا تفرّق بين السوريين الذين يؤيدون النظام أوالذين يعارضونه، ففي الهمّ كل أبناء سوريا سواء.
عقوبات رغم الوباء
الخنق الاقتصادي الأمريكي تزامن مع تمديد العقوبات الأوروبية على سوريا لمدّة سنة أخرى، ما يعني أن الغرب المتغطرس المتعالي لا يبالي لا بحقوق الإنسان التي يتغنى بها صباح مساء، ولا بما تواجهه شعوب المعمورة من معاناة وخطر بسبب جائحة كورونا، ففي الوقت الذي دعا فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الى رفع العقوبات التي تعرقل مكافحة الوباء اللعين، وقفنا على استمرار فرضها على سوريا وفنزويلا وإيران ودول أخرى لا تروق أنظمتها وسياساتها لواشنطن وباريس ولندن وغيرها .
والمفارقة العجيبة أن تشديد العقوبات الأوروبية التي تستند إلى مخاوف مزعومة على حقوق الإنسان، تشمل قطاعات حسّاسة مثل محطات توليد الطاقة ومضخات المياه، ما يشكّل عقوبة جماعية للسوريين ويعيق حصولهم حتى على الكهرباء والماء.
في الواقع لا يمكن لعيون الغربال أن تخفي نور الشمس ولا أشعتها، لهذا لا نستطيع أن نصدّق بأن الشعب السوري سيسلم من تداعيات «قانون قيصر» فالتاريخ القريب على الأقل، لم ينقل لنا حالة واحدة لسقوط نظام بواسطة العقوبات والمثال يجسّده نظام فيدال كاسترو بكوبا الذي تعرّض للعقوبات منذ 1959 لكنه صمد لأزيد من ستّة عقود، والأمر نفسه ينطبق على العراق وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها لنصل الى النتيجة الحتمية وهي أن العقوبات تصيب المواطنين العاديين في حياتهم اليومية وقد لا تحرّك شعرة من الانظمة المستهدفة لهذا من الضروري مراجعتها ووقفها.