مبادئ ثابتة في السياسة الخارجية الجزائرية

دور رياديّ على الصّعيد الدولي

جمال أوكيلي

حافظت السياسة الخارجية الجزائرية على خطّها الثّابت، المعتمد على التحلي بالهدوء وبعد النظر في مرافقة الأحداث الكبرى التي تشهدها العلاقات الدولية، بعيدا عن الاندفاعية والتحمّس العابرتين.
الهدوء وبعد النظر لمسهما كل المتتبّعين للديبلوماسية على أكثر من صعيد سواء المغاربي أو الافريقي، أو فيما يتعلّق بمحاربة الإرهاب عالميا أو في منطقة السّاحل أو عربيا. هذه هي الفضاءات التي تتحرّك فيها الجزائر في المقام الأول، يليه الدور المنوط ببلادنا على المستوى الدولي، الذي يطرح في محافل أخرى وفي كل مرة تدعى الجزائر لقول كلمتها بخصوص المسائل الحسّاسة المثارة كان آخرها مشاركة الوفد الجزائري بقيادة الوزير الأول بالنيابة في الاجتماع الخاص بالإستعمال السّلمي للنووي، والتّأكيد على هذا المبدأ الذي لا بديل عنه، ناهيك عن مطالبة الجزائر بالتدخل في تسوية العديد من الملفات المعقّدة في الكثير من النقاط في هذا العالم.
ولابد من الاشارة هنا إلى حقيقة مفادها أنّ طبيعة العلاقات الدولية اليوم مبنية على القطبية الأحادية بعد سقوط جدار برلين، ولم يعد هناك سند لمعسكر آخر ما عدا ما يعرف “بالغرب” الذي تنضوي تحت لوائه البلدان الكبرى كالولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، كندا، ألمانيا والحلف الأطلسي، وكل من سار على دربهم.
لذلك اعتمدت الجزائر على تجربتها العميقة وخبرتها الثرية، وكفاءاتها العالية في إدارة الأحداث الدولية بكل حكمة، مبدية مواقف متّزنة ومتوازنة، وفق ما تنصّ عليه المواثيق الأممية المتعلّقة بالعلاقات بين الشّعوب دون إلحاق الضرر بأحد، مع وضع مرجعيات واضحة فيما يخص كيفية التعامل مع الملفات السياسية الحسّاسة كتقرير مصير الشّعوب التي ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار، وهذا باحترام اللاّئحة ١٥١٤ التي تندرج في هذا الإطار. هذا المبدأ يضرب بجذوره في أدبيات الثّورة الجزائرية التي تستند إلى قاعدة تقرير مصير الشعوب، وهذا ما ينطبق اليوم على قضية الصّحراء الغربية التي تتوفّر على كل الآليات السياسية لحلّها، بعد أن أدرك العالم بأنّ هناك شعب أعزل يقاوم بكل الطّرق السّلمية آلة القتل والتّعذيب في هذا الإقليم المحتلّ.
وبالرّغم من كل المحاولات اليائسة للتّشويش على هذا الخيار، فإنّ مسار القضية في الاتجاه الصحيح والسّليم، حفاظا على حلم بناء المغرب العربي الكبير، الذي تؤمن الجزائر إيمانا قاطعا ببعده وعمقه الإستراتيجي، من خلال تفعيل آلياته منها خاصة تطبيق الإتفاقيات القطاعية التي تتجاوز
 ٣٠. ولا تدّخر بلادنا أيّ جهد من أجل ترقية هذا الإطار الحيوي وفق نظرة موسعة تراعي كل المستجدات، ولا تخلط بين الأشياء.
وبالرّغم من كل هذا، فإنّ منطقة السّاحل تعدّ من أولويات السياسة الخارجية الجزائرية، كونها بوّابة القارة الإفريقية، ودائما كان الشّغل الشّاغل للجزائر  أن تكون الحدود جسور تواصل للتنمية بين شعوب المنطقة، لكن ضيق الأفق للبعض حوّل تلك الجهة إلى بؤرة توتّر ونزاع، خاصة مع بروز حركات سياسية ومنظّمات وجماعات إرهابية اتّخذت من هذه النّاحية منطلقا لأعمالها الإجرامية كالإختطافات وتهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها ليتحالف المال مع الجريمة المنظّمة.
هذا لم يمنع أبدا بأن تكون الجزائر حاضرة بكل ثقلها إلى جانب الكبار في محاربة الإرهاب، لما كسبته من تجربة رائدة على صعيد مكافحة هذه الظاهرة فيما يخص التنسيق الدولي في المجال المعلوماتي، مع اتّخاذ المواقف الصّارمة كالادانة وكذلك منع دفع الفدية، لتوقيف تمويل هؤلاء في العديد من مواقع العالم.
وفي هذا الشّأن تعتبر الجزائر من البلدان المؤسّسة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ولها دور بارز في إثراء أشغاله، وتقديم اقتراحات وأوراق هامة للمناقشة، وهي الآن مرجعية في التعاون في هذا المجال، تستقبل العديد من الوفود البارزة للتباحث عن السبل الكفيلة للقضاء على هذه الأعمال الإجرامية في العالم، برؤية شاملة تتحمّل مسؤوليتها كل البلدان التي تأثّرت من هذه الممارسات، وفي نفس الوقت عازمة كل العزم على تضييق الخناق عليها.
أما عربيا فإنّ الجزائر تعمل جاهدة على تعزيز التشاور بين البلدان العربية، وتنقية الأجواء السياسية التي تأثّرت بحكم التطورات الأخيرة، ممّا أدّى في كثير من الأحيان إلى ظهور تشنّجات بخصوص النظرة تجاه سيرورة الأحداث الواقعة هنا وهناك، نتيجة التّغييرات الجذرية في طبيعة الأنظمة العربية، سواء في الشّرق الأوسط أو في المنطقة المغاربية، ويعتمد هذا العمل على العودة إلى تطبيع الأوضاع باتجاه الإستقرار النهائي، وإقامة مؤسسات قادرة على تسيير هذه المراحل الإنتقالية، والتكيّف مع المفاهيم السياسية الجديدة كالديمقراطية والتعددية، في حين ما تزال القضية الفلسطينية محلّ اهتمام الجزائر، من أجل حلّ عادل ودائم.
هذه العيّنات من المبادئ الثّابتة للسياسة الخارجية الجزائرية، تنطلق من حرصها على اكتساب المزيد من الإحترام والتفهم من قبل كل الشركاء الذين يلتجؤون إلى الجزائر كلّما وجدوا انسدادا سياسيا على الصّعيد الدولي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024